nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=2nindex.php?page=treesubj&link=29000_32449غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=4في بضع سنين
قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=2غلبت الروم خبر مستعمل في لازم فائدته على طريق الكناية ، أي نحن نعلم بأن
الروم غلبت ، فلا يهنكم ذلك ولا تطاولوا به على رسولنا وأوليائنا ، فإنا
[ ص: 42 ] نعلم أنهم سيغلبون من غلبوهم بعد بضع سنين بحيث لا يعد الغلب في مثله غلبا .
فالمقصود من الكلام هو جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=3وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين وكان ما قبله تمهيدا له .
وإسناد الفعل إلى المجهول لأن الغرض هو الحديث عن المغلوب لا على الغالب ؛ ولأنه قد عرف أن الذين غلبوا
الروم هم
الفرس .
والروم : اسم غلب في كلام العرب على أمة مختلطة من
اليونان والصقالبة ومن
الرومانيين الذين أصلهم من
اللاطينيين سكان
إيطاليا نزحوا إلى أطراف
شرق أوربا ، تقومت هذه الأمة المسماة
الروم على هذا المزيج ، فجاءت منها مملكة تحتل قطعة من
أوربا وقطعة من
آسيا الصغرى وهي
بلاد الأناظول ، وقد أطلق العرب على مجموع هذه الأمة اسم
الروم تفرقة بينهم وبين الرومان
اللاطينيين . وسموا الروم أيضا
ببني الأصفر كما جاء في حديث
أبي سفيان عن كتاب النبيء - صلى الله عليه وسلم - المبعوث إلى
هرقل سلطان
الروم وهو في
حمص من
بلاد الشام إذ قال
أبو سفيان لأصحابه : لقد أمر أمر
nindex.php?page=showalam&ids=17350ابن أبي كبشة ، إنه يخافه ملك
بني الأصفر .
وسبب اتصال الأمة الرومانية بالأمة اليونانية وتكون أمة
الروم من الخليطين هو أن
اليونان كان لهم استيلاء على
صقلية وبعض بلاد
إيطاليا ، وكانوا بذلك في اتصالات وحروب سجال مع
الرومان ربما عظمت واتسعت مملكة
الرومان تدريجا بسبب الفتوحات ، وتسربت سلطتهم إلى
إفريقيا وأداني
آسيا الصغرى بفتوحات "
يوليوس قيصر " لمصر وشمال أفريقيا
وبلاد اليونان ، وبتوالي الفتوحات للقياصرة من بعده فصارت تبلغ من
رومة إلى
أرمينيا والعراق ، ودخلت فيها
بلاد اليونان ومدائن رودس وساقس وكاريا والصقالبة الذين على
نهر الطونة ، ولحق بها
البيزنطينيون المنسوبون إلى مدينة
بيزنطة الواقعة في موقع
استانبول على
البسفور ، وهم أصناف من
اليونان والإسبرطيين ، وكانوا أهل تجارة عظيمة في أوائل القرن الرابع قبل
المسيح ، ثم ألفوا اتحادا بينهم وبين أهل رودس وساقس ، وكانت
بيزنطة من جملة مملكة إسكندر المقدوني وبعد موته واقتسام قواده المملكة من بعده صارت
بيزنطة دولة مستقلة ، وانضوت تحت سلطة
رومة ، فحكمها قياصرة الرومان إلى أن صار قسطنطين قيصرا
[ ص: 43 ] لرومة وانفرد بالسلطة في حدود سنة ( 332 ) مسيحية ، وجمع شتات المملكة ، فجعل للمملكة عاصمتين : عاصمة غربية هي "
رومة " وعاصمة شرقية اختطها مدينة عظيمة على بقايا مدينة
بيزنطة وسماها "
قسطنطينية " ، وانصرفت همته إلى سكناها ، فنالت شهرة تفوق "
رومة . وبعد موته سنة ( 337 ) قسمت المملكة بين أولاده ، وكان القسم الشرقي الذي هو
بلاد الروم وعاصمته
القسطنطينية لابنه "
قسطنطينيوس " ، فمنذ ذلك الحين صارت مملكة
القسطنطينية هي مملكة
الروم ، وبقيت مملكة "
رومة " مملكة الرومان . وزاد انفصال المملكتين في سنة ( 395 ) حين قسم " طيودسيوس " بلدان السلطنة الرومانية بين ولديه ، فجعلها قسمين : مملكة شرقية ومملكة غربية ، فاشتهرت المملكة الشرقية باسم
بلاد الروم وعاصمتها "
القسطنطينية " . ويعرف
الروم عند الإفرنج
بالبيزنطينيين نسبة إلى "
بيزنطة " ، اسم مدينة يونانية قديمة واقعة على
شاطئ البوسفور الذي هو قسم من موقع المدينة التي حدثت بعدها كما تقدم آنفا . وقد صارت ذات تجارة عظيمة في القرن الخامس قبل
المسيح وسمي ميناها بالقرن الذهبي . وفي أواخر القرن الرابع قبل
المسيح خلعت طاعة أثينا . وفي أواسط القرن الرابع بعد
المسيح جعل
قسطنطين سلطان مدينة
القسطنطينية .
وهذا الغلب الذي ذكر في هذه الآية هو انهزام
الروم في الحرب التي جرت بينهم وبين
الفرس سنة ( 615 ) مسيحية ، وذلك أن
خسرو بن هرمز ملك
الفرس غزا
الروم في
بلاد الشام وفلسطين ، وهي من البلاد الواقعة تحت حكم "
هرقل " قيصر
الروم ، فنازل
أنطاكية ثم
دمشق ، وكانت الهزيمة العظيمة على
الروم في أطراف
بلاد الشام المحادة بلاد العرب بين
بصرى وأذرعات . وذلك هو المراد في هذه الآية بأدنى الأرض أي أدنى
بلاد الروم إلى بلاد العرب .
فالتعريف في الأرض للعهد ، أي
أرض الروم المتحدث عنهم ، أو اللام عوض عن المضاف إليه ، أي في أدنى أرضهم ، أو أدنى أرض الله . وحذف متعلق أدنى لظهور أن تقديره : من أرضكم ، أي أقرب بلاد الروم من أرض العرب ، فإن بلاد الشام تابعة يومئذ
للروم وهي أقرب مملكة
الروم من بلاد العرب .
وكانت هذه الهزيمة هزيمة كبرى
للروم .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=3وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين إخبار بوعد معطوف
[ ص: 44 ] على الإخبار الذي قبله . وضمائر الجمع عائدة إلى
الروم .
و غلبهم مصدر مضاف إلى مفعوله . وحذف مفعول سيغلبون للعلم بأن تقديره : سيغلبون الذين غلبوهم ، أي الفرس ، إذ لا يتوهم أن المراد سيغلبون قوما آخرين ؛ لأن غلبهم على قوم آخرين وإن كان يرفع من شأنهم ويدفع عنهم معرة غلب
الفرس إياهم ، لكن القصة تبين المراد ؛ ولأن تمام المنة على المسلمين بأن يغلب
الروم الفرس الذين ابتهج المشركون بغلبهم وشمتوا لأجله بالمسلمين كما تقدم .
وفائدة ذكر " من بعد غلبهم " التنبيه على عظم تلك الهزيمة عليهم ، وأنها بحيث لا يظن نصر لهم بعدها ، فابتهج بذلك المشركون ، فالوعد بأنهم سيغلبون بعد ذلك الانهزام في أمد غير طويل تحد تحدى به القرآن المشركين ، ودليل على أن الله قدر لهم الغلب على الفرس تقديرا خارقا للعادة ؛ معجزة لنبيه - صلى الله عليه وسلم - وكرامة للمسلمين .
ولفظ " بضع " بكسر الموحدة كناية عن عدد قليل لا يتجاوز العشرة ، وقد تقدم في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=42فلبث في السجن بضع سنين في سورة يوسف ، وهذا أجل لرد الكرة لهم على الفرس .
وحكمة إبهام عدد السنين أنه مقتضى حال كلام العظيم الحكيم أن يقتصر على المقصود إجمالا ، وأن لا يتنازل إلى التفصيل ؛ لأن ذلك التفصيل يتنزل منزلة الحشو عند أهل العقول الراجحة ، وليكون للمسلمين رجاء في مدة أقرب مما ظهر ، ففي ذلك تفريج عليهم .
وهذه الآية من معجزات القرآن الراجعة إلى الجهة الرابعة في المقدمة العاشرة من مقدمات هذا التفسير .
روى
الترمذي بأسانيد حسنة وصحيحة أن المشركين كانوا يحبون أن يظهر
أهل فارس على
الروم ؛ لأنهم وإياهم أهل أوثان ، وكان المسلمون يحبون أن يظهر
الروم على
أهل فارس ؛ لأنهم أهل كتاب مثلهم ، فكانت
فارس يوم نزلت
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=1الم nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=2غلبت الروم قاهرين
للروم ، فذكروه
لأبي بكر ، فذكره
أبو بكر لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -
nindex.php?page=hadith&LINKID=10342318فقال رسول الله : [ ص: 45 ] أما إنهم سيغلبون ، ونزلت هذه الآية ، فخرج nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر الصديق يصيح في نواحي مكة nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=1الم nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=2غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=4في بضع سنين فقال ناس من قريش لأبي بكر : فذلك بيننا وبينكم ، زعم صاحبكم أن الروم ستغلب فارس في بضع سنين ، أفلا نراهنك على ذلك قال : بلى ، وذلك قبل تحريم الرهان ، وقالوا لأبي بكر : كم تجعل البضع ثلاث سنين إلى تسع سنين ، فسم بيننا وبينك وسطا ننتهي إليه . فسمى أبو بكر لهم ست سنين ، فارتهن أبو بكر والمشركون وتواضعوا الرهان ، فمضت ست السنين قبل أن يظهر الروم ، فأخذ المشركون رهن أبي بكر . وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأبي بكر ألا أخفضت يا أبا بكر ، ألا جعلته إلى دون العشر ، فإن البضع ما بين الثلاث إلى التسع . وعاب المسلمون على أبي بكر تسمية ست سنين ، وأسلم عند ذلك ناس كثير . وذكر المفسرون أن الذي راهن
أبا بكر هو
أبي بن خلف ، وأنهم جعلوا الرهان خمس قلائص ، وفي رواية أنهم بعد أن جعلوا الأجل ستة أعوام غيروه فجعلوه تسعة أعوام وازدادوا في عدد القلائص ، وأن
أبا بكر لما أراد الهجرة مع النبيء - صلى الله عليه وسلم - تعلق به
أبي بن خلف وقال له : أعطني كفيلا بالخطر إن غلبت ، فكفل به ابنه
عبد الرحمن ، وكان
عبد الرحمن أيامئذ مشركا باقيا
بمكة ، وأنه لما أراد
أبي بن خلف الخروج إلى أحد طلبه
عبد الرحمن بكفيل فأعطاه كفيلا . ثم مات
أبي بمكة من جرح جرحه النبيء - صلى الله عليه وسلم - ، فلما غلب
الروم بعد سبع سنين أخذ
أبو بكر الخطر من ورثة
أبي بن خلف .
وقد كان
nindex.php?page=treesubj&link=32449تغلب الروم على الفرس في سنة ست ، وورد الخبر إلى المسلمين . وفي حديث
الترمذي عن
nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد الخدري قال : لما كان يوم
بدر ظهرت
الروم على
فارس فأعجب ذلك المؤمنين . والمعروف أن ذلك كان يوم الحديبية . وقد تقدم في أول السورة أن المدة بين انهزام الروم وانهزام
الفرس سبع سنين - بتقديم السين - وأن ما وقع في بعض الروايات أنها تسع هو تصحيف . وقد كان غلب
الروم على
الفرس في سلطنة
هرقل قيصر الروم ، وبإثره جاء
هرقل إلى
بلاد الشام ونزل
حمص ولقي
nindex.php?page=showalam&ids=12026أبا سفيان بن حرب في رهط من
أهل مكة جاءوا تجارا إلى
الشام .
واعلم أن هذه الرواية في مخاطرة
أبي بكر وأبي بن خلف وتقرير النبيء - صلى الله عليه وسلم - إياها احتج بها
أبو حنيفة على جواز العقود الربوية مع أهل الحرب . وأما الجمهور
[ ص: 46 ] فهذا يرونه منسوخا بما ورد من
nindex.php?page=treesubj&link=27974النهي عن القمار نهيا مطلقا لم يقيد بغير أهل الحرب . وتحقيق المسألة أن المراهنة التي جرت بين
أبي بكر وأبي بن خلف جرت على الإباحة الأصلية ؛ إذ لم يكن شرع
بمكة أيامئذ ، فلا دليل فيها على إباحة المراهنة ، وأن تحريم المراهنة بعد ذلك تشريع أنف وليس من النسخ في شيء .
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=4لله الأمر من قبل ومن بعد
جملة معترضة بين المتعاطفات . والمراد بالأمر أمر التقدير والتكوين ، أي أن الله قدر الغلب الأول والثاني قبل أن يقعا ، أي من قبل غلب
الروم على
الفرس وهو المدة التي من يوم غلب
الفرس عليهم ومن بعد غلب
الروم على
الفرس .
فهنالك مضافان إليهما محذوفان . فبنيت " قبل " و " بعد " على الضم ؛ لحذف المضاف إليه ؛ لافتقار معناهما إلى تقدير مضافين إليهما فأشبهتا الحرف في افتقار معناه إلى الاتصال بغيره . وهذا البناء هو الأفصح في الاستعمال إذا حذف ما تضاف إليه " قبل " و " بعد " وقدر لوجود دليل عليه في الكلام ، وأما إذا لم تقصد إضافتهما بل أريد بهما الزمن السابق والزمن اللاحق ، فإنهما يعربان كسائر الأسماء النكرات ، كما قال
عبد الله بن يعرب بن معاوية أو
يزيد بن الصعق :
فساغ لي الشراب وكنت قبلا أكاد أغص بالماء الحمـيم
أي وكنت في زمن سبق لا يقصد تعيينه . وجوز الفراء فيهما مع حذف المضاف إليه أن تبقى فيهما حركة الإعراب بدون تنوين ، ودرج عليه
ابن هشام ، وأنكره
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج ، وجعل من الخطإ رواية قول الشاعر الذي لا يعرف اسمه :
ومن قبل نادى كل مولى قرابة فما عطفت مولى عليه العواطف
بكسر لام " قبل " رادا قول
الفراء أنه روي بكسر دون تنوين ، يريد
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج : أي الواجب أن يروى بالضم .
وتقديم المجرور في قوله : "
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=4لله الأمر " لإبطال تطاول المشركين الذين بهجهم غلب
الفرس على
الروم لأنهم عبدة أصنام مثلهم ؛ لاستلزامه الاعتقاد بأن ذلك الغلب من نصر الأصنام عبادها ، فبين لهم بطلان ذلك وأن التصرف لله وحده في
[ ص: 47 ] الحالين ؛ للحكمة التي بيناها آنفا كما دل عليه التذييل بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=5ينصر من يشاء .
فيه أدب عظيم للمسلمين لكي لا يعللوا الحوادث بغير أسبابها وينتحلوا لها عللا توافق الأهواء كما كانت تفعله الدجاجلة من الكهان وأضرابهم . وهذا المعنى كان النبيء - صلى الله عليه وسلم - يعلنه في خطبه ، فقد كسفت الشمس يوم مات
إبراهيم ابن النبيء فقال الناس : كسفت لموت
إبراهيم ، فخطب النبيء - صلى الله عليه وسلم - فقال في خطبته :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10342319إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله ، لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته . وكان من صناعة الدجل أن يتلقن أصحاب الدجل الحوادث المقارنة لبعض الأحوال فيزعموا أنها كانت لذلك مع أنها تنفع أقواما وتضر بآخرين ؛ ولهذا كان التأييد بنصر
الروم في هذه الآية موعودا به من قبل ؛ ليعلم الناس كلهم أنه متحدى به قبل وقوعه لا مدعى به بعد وقوعه ؛ ولهذا قال تعالى بعد الوعود
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=4ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله .
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=2nindex.php?page=treesubj&link=29000_32449غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=4فِي بِضْعِ سِنِينَ
قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=2غُلِبَتِ الرُّومُ خَبَرٌ مُسْتَعْمَلٌ فِي لَازِمِ فَائِدَتِهِ عَلَى طَرِيقِ الْكِنَايَةِ ، أَيْ نَحْنُ نَعْلَمُ بِأَنَّ
الرُّومَ غُلِبَتْ ، فَلَا يَهِنْكُمْ ذَلِكَ وَلَا تَطَاوَلُوا بِهِ عَلَى رَسُولِنَا وَأَوْلِيَائِنَا ، فَإِنَّا
[ ص: 42 ] نَعْلَمُ أَنَّهُمْ سَيَغْلِبُونَ مَنْ غَلَبُوهُمْ بَعْدَ بِضْعِ سِنِينَ بِحَيْثُ لَا يُعَدُّ الْغَلَبُ فِي مِثْلِهِ غَلَبًا .
فَالْمَقْصُودُ مِنَ الْكَلَامِ هُوَ جُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=3وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ وَكَانَ مَا قَبْلَهُ تَمْهِيدًا لَهُ .
وَإِسْنَادُ الْفِعْلِ إِلَى الْمَجْهُولِ لِأَنَّ الْغَرَضَ هُوَ الْحَدِيثُ عَنِ الْمَغْلُوبِ لَا عَلَى الْغَالِبِ ؛ وَلِأَنَّهُ قَدْ عُرِفَ أَنَّ الَّذِينَ غَلَبُوا
الرُّومَ هُمُ
الْفُرْسُ .
وَالرُّومُ : اسْمٌ غَلَبَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ عَلَى أُمَّةٍ مُخْتَلِطَةٍ مِنَ
الْيُونَانِ وَالصَّقَالِبَةِ وَمِنَ
الرُّومَانِيِّينَ الَّذِينَ أَصْلُهُمْ مِنَ
اللَّاطِينِيِّينَ سُكَّانِ
إِيطَالْيَا نَزَحُوا إِلَى أَطْرَافِ
شَرْقِ أُورُبَّا ، تَقَوَّمَتْ هَذِهِ الْأُمَّةُ الْمُسَمَّاةُ
الرُّومَ عَلَى هَذَا الْمَزِيجِ ، فَجَاءَتْ مِنْهَا مَمْلَكَةٌ تَحْتَلُّ قِطْعَةً مِنْ
أُورُبَّا وَقِطْعَةً مِنْ
آسْيَا الصُّغْرَى وَهِيَ
بِلَادُ الْأَنَاظُولِ ، وَقَدْ أَطْلَقَ الْعَرَبُ عَلَى مَجْمُوعِ هَذِهِ الْأُمَّةِ اسْمَ
الرُّومِ تَفْرِقَةً بَيْنَهِمْ وَبَيْنَ الرُّومَانِ
اللَّاطِينِيِّينِ . وَسَمَّوُا الرُّومَ أَيْضًا
بِبَنِي الْأَصْفَرِ كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ
أَبِي سُفْيَانَ عَنْ كِتَابِ النَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَبْعُوثِ إِلَى
هِرَقْلَ سُلْطَانِ
الرُّومِ وَهُوَ فِي
حِمْصَ مِنْ
بِلَادِ الشَّامِ إِذْ قَالَ
أَبُو سُفْيَانَ لِأَصْحَابِهِ : لَقَدْ أَمِرَ أَمْرُ
nindex.php?page=showalam&ids=17350ابْنِ أَبِي كَبْشَةَ ، إِنَّهُ يَخَافُهُ مَلِكُ
بَنِي الْأَصْفَرِ .
وَسَبَبُ اتِّصَالِ الْأُمَّةِ الرُّومَانِيَّةِ بِالْأُمَّةِ الْيُونَانِيَّةِ وَتَكَوُّنِ أُمَّةِ
الرُّومِ مِنَ الْخَلِيطَيْنِ هُوَ أَنَّ
الْيُونَانَ كَانَ لَهُمُ اسْتِيلَاءٌ عَلَى
صِقِلِّيَةَ وَبَعْضِ بِلَادِ
إِيطَالْيَا ، وَكَانُوا بِذَلِكَ فِي اتِّصَالَاتٍ وَحُرُوبٍ سِجَالٍ مَعَ
الرُّومَانِ رُبَّمَا عَظُمَتْ وَاتَّسَعَتْ مَمْلَكَةُ
الرُّومَانِ تَدْرِيجًا بِسَبَبِ الْفُتُوحَاتِ ، وَتَسَرَّبَتْ سُلْطَتُهُمْ إِلَى
إِفْرِيقِيَا وَأَدَانِي
آسْيَا الصُّغْرَى بِفُتُوحَاتِ "
يُولْيُوسْ قَيْصَرْ " لِمِصْرَ وَشَمَالِ أَفْرِيقْيَا
وَبِلَادِ الْيُونَانِ ، وَبِتَوَالِي الْفُتُوحَاتِ لِلْقَيَاصِرَةِ مِنْ بَعْدِهِ فَصَارَتْ تَبْلُغُ مِنْ
رُومَةَ إِلَى
أَرْمِينْيَا وَالْعِرَاقِ ، وَدَخَلَتْ فِيهَا
بِلَادُ الْيُونَانِ وَمَدَائِنُ رُودِسَ وَسَاقِسَ وَكَارْيَا وَالصَّقَالِبَةِ الَّذِينَ عَلَى
نَهْرِ الطُّونَةِ ، وَلَحِقَ بِهَا
الْبِيزَنْطِينِيُّونَ الْمَنْسُوبُونَ إِلَى مَدِينَةِ
بِيزَنْطَةَ الْوَاقِعَةِ فِي مَوْقِعِ
اسْتَانْبُولَ عَلَى
الْبُسْفُورِ ، وَهُمْ أَصْنَافٌ مِنَ
الْيُونَانِ وَالْإِسْبَرْطِيِّينَ ، وَكَانُوا أَهْلَ تِجَارَةٍ عَظِيمَةٍ فِي أَوَائِلِ الْقَرْنِ الرَّابِعِ قَبْلَ
الْمَسِيحِ ، ثُمَّ أَلَّفُوا اتِّحَادًا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَهْلِ رُودِسَ وَسَاقِسَ ، وَكَانَتْ
بِيزَنْطَةُ مِنْ جُمْلَةِ مَمْلَكَةِ إِسْكَنْدَرَ الْمَقْدُونِيِّ وَبَعْدَ مَوْتِهِ وَاقْتِسَامِ قُوَّادِهِ الْمَمْلَكَةَ مِنْ بَعْدِهِ صَارَتْ
بِيزَنْطَةُ دَوْلَةً مُسْتَقِلَّةً ، وَانْضَوَتْ تَحْتَ سُلْطَةِ
رُومَةَ ، فَحَكَمَهَا قَيَاصِرَةُ الرُّومَانِ إِلَى أَنْ صَارَ قُسْطَنْطِينُ قَيْصَرًا
[ ص: 43 ] لِرُومَةَ وَانْفَرَدَ بِالسُّلْطَةِ فِي حُدُودِ سَنَةِ ( 332 ) مَسِيحِيَّةً ، وَجَمَعَ شَتَاتَ الْمَمْلَكَةِ ، فَجَعَلَ لِلْمَمْلَكَةِ عَاصِمَتَيْنِ : عَاصِمَةً غَرْبِيَّةً هِيَ "
رُومَةُ " وَعَاصِمَةً شَرْقِيَّةً اخْتَطَّهَا مَدِينَةً عَظِيمَةً عَلَى بَقَايَا مَدِينَةِ
بِيزَنْطَةَ وَسَمَّاهَا "
قُسْطَنْطِينِيَّةَ " ، وَانْصَرَفَتْ هِمَّتُهُ إِلَى سُكْنَاهَا ، فَنَالَتْ شُهْرَةً تَفُوقُ "
رُومَةَ . وَبَعْدَ مَوْتِهِ سَنَةَ ( 337 ) قُسِّمَتِ الْمَمْلَكَةُ بَيْنَ أَوْلَادِهِ ، وَكَانَ الْقِسْمُ الشَّرْقِيُّ الَّذِي هُوَ
بِلَادُ الرُّومِ وَعَاصِمَتُهُ
الْقُسْطَنْطِينِيَّةُ لِابْنِهِ "
قُسْطَنْطِينْيُوسَ " ، فَمُنْذُ ذَلِكَ الْحِينِ صَارَتْ مَمْلَكَةُ
الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ هِيَ مَمْلَكَةُ
الرُّومِ ، وَبَقِيَتْ مَمْلَكَةُ "
رُومَةَ " مَمْلَكَةَ الرُّومَانِ . وَزَادَ انْفِصَالُ الْمَمْلَكَتَيْنِ فِي سَنَةِ ( 395 ) حِينَ قَسَّمَ " طُيُودِسْيُوسُ " بُلْدَانَ السَّلْطَنَةِ الرُّومَانِيَّةِ بَيْنَ وَلَدَيْهِ ، فَجَعَلَهَا قِسْمَيْنِ : مَمْلَكَةً شَرْقِيَّةً وَمَمْلَكَةً غَرْبِيَّةً ، فَاشْتَهَرَتِ الْمَمْلَكَةُ الشَّرْقِيَّةُ بِاسْمِ
بِلَادِ الرُّومِ وَعَاصِمَتُهَا "
الْقُسْطَنْطِينِيَّةُ " . وَيُعْرَفُ
الرُّومُ عِنْدَ الْإِفْرِنْجِ
بِالْبِيزَنْطِينِيِّينَ نِسْبَةً إِلَى "
بِيزَنْطَةَ " ، اسْمُ مَدِينَةٍ يُونَانِيَّةٍ قَدِيمَةٍ وَاقِعَةٍ عَلَى
شَاطِئِ الْبُوسْفُورِ الَّذِي هُوَ قِسْمٌ مِنْ مَوْقِعِ الْمَدِينَةِ الَّتِي حَدَثَتْ بَعْدَهَا كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا . وَقَدْ صَارَتْ ذَاتَ تِجَارَةٍ عَظِيمَةٍ فِي الْقَرْنِ الْخَامِسِ قَبْلَ
الْمَسِيحِ وَسُمِّيَ مِينَاهَا بِالْقَرْنِ الذَّهَبِيِّ . وَفِي أَوَاخِرِ الْقَرْنِ الرَّابِعِ قَبْلَ
الْمَسِيحِ خَلَعَتْ طَاعَةَ أَثِينَا . وَفِي أَوَاسِطِ الْقَرْنِ الرَّابِعِ بَعْدَ
الْمَسِيحِ جُعِلَ
قُسْطَنْطِينُ سُلْطَانَ مَدِينَةِ
الْقُسْطَنْطِينِيَّةِ .
وَهَذَا الْغَلَبُ الَّذِي ذُكِرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ هُوَ انْهِزَامُ
الرُّومِ فِي الْحَرْبِ الَّتِي جَرَتْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ
الْفُرْسِ سَنَةَ ( 615 ) مَسِيحِيَّةً ، وَذَلِكَ أَنَّ
خُسْرُو بْنَ هُرْمُزَ مَلِكَ
الْفُرْسِ غَزَا
الرُّومَ فِي
بِلَادِ الشَّامِ وَفِلَسْطِينَ ، وَهِيَ مِنَ الْبِلَادِ الْوَاقِعَةِ تَحْتَ حُكْمِ "
هِرَقْلَ " قَيْصَرِ
الرُّومِ ، فَنَازَلَ
أَنْطَاكِيَةَ ثُمَّ
دِمَشْقَ ، وَكَانَتِ الْهَزِيمَةُ الْعَظِيمَةُ عَلَى
الرُّومِ فِي أَطْرَافِ
بِلَادِ الشَّامِ الْمُحَادَّةِ بِلَادَ الْعَرَبِ بَيْنَ
بُصْرَى وَأَذْرُعَاتَ . وَذَلِكَ هُوَ الْمُرَادُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِأَدْنَى الْأَرْضِ أَيْ أَدْنَى
بِلَادِ الرُّومِ إِلَى بِلَادِ الْعَرَبِ .
فَالتَّعْرِيفُ فِي الْأَرْضِ لِلْعَهْدِ ، أَيْ
أَرْضِ الرُّومِ الْمُتَحَدَّثِ عَنْهُمْ ، أَوِ اللَّامُ عِوَضٌ عَنِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ ، أَيْ فِي أَدْنَى أَرْضِهِمْ ، أَوْ أَدْنَى أَرْضِ اللَّهِ . وَحُذِفَ مُتَعَلِّقُ أَدْنَى لِظُهُورِ أَنَّ تَقْدِيرَهُ : مِنْ أَرْضِكُمْ ، أَيْ أَقْرَبِ بِلَادِ الرُّومِ مِنْ أَرْضِ الْعَرَبِ ، فَإِنَّ بِلَادَ الشَّامِ تَابِعَةٌ يَوْمَئِذٍ
لِلرُّومِ وَهِيَ أَقْرَبُ مَمْلَكَةِ
الرُّومِ مِنْ بِلَادِ الْعَرَبِ .
وَكَانَتْ هَذِهِ الْهَزِيمَةُ هَزِيمَةً كُبْرَى
لِلرُّومِ .
وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=3وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ إِخْبَارٌ بِوَعْدٍ مَعْطُوفٍ
[ ص: 44 ] عَلَى الْإِخْبَارِ الَّذِي قَبْلَهُ . وَضَمَائِرُ الْجَمْعِ عَائِدَةٌ إِلَى
الرُّومِ .
وَ غَلَبِهِمْ مَصْدَرٌ مُضَافٌ إِلَى مَفْعُولِهِ . وَحُذِفَ مَفْعُولُ سَيَغْلِبُونَ لِلْعِلْمِ بِأَنَّ تَقْدِيرَهُ : سَيَغْلِبُونَ الَّذِينَ غَلَبُوهُمْ ، أَيِ الْفُرْسَ ، إِذْ لَا يُتَوَهَّمُ أَنَّ الْمُرَادَ سَيَغْلِبُونَ قَوْمًا آخَرِينَ ؛ لِأَنَّ غَلَبَهُمْ عَلَى قَوْمٍ آخَرِينَ وَإِنْ كَانَ يَرْفَعُ مِنْ شَأْنِهِمْ وَيَدْفَعُ عَنْهُمْ مَعَرَّةَ غَلَبِ
الْفُرْسِ إِيَّاهُمْ ، لَكِنِ الْقِصَّةُ تُبَيِّنُ الْمُرَادَ ؛ وَلِأَنَّ تَمَامَ الْمِنَّةِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بِأَنْ يَغْلِبَ
الرُّومُ الْفُرْسَ الَّذِينَ ابْتَهَجَ الْمُشْرِكُونَ بِغَلَبِهِمْ وَشَمِتُوا لِأَجْلِهِ بِالْمُسْلِمِينَ كَمَا تَقَدَّمَ .
وَفَائِدَةُ ذِكْرِ " مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ " التَّنْبِيهُ عَلَى عِظَمِ تِلْكَ الْهَزِيمَةِ عَلَيْهِمْ ، وَأَنَّهَا بِحَيْثُ لَا يُظَنُّ نَصْرٌ لَهُمْ بَعْدَهَا ، فَابْتَهَجَ بِذَلِكَ الْمُشْرِكُونَ ، فَالْوَعْدُ بِأَنَّهُمْ سَيَغْلِبُونَ بَعْدَ ذَلِكَ الِانْهِزَامِ فِي أَمَدٍ غَيْرِ طَوِيلٍ تَحَدٍّ تَحَدَّى بِهِ الْقُرْآنُ الْمُشْرِكِينَ ، وَدَلِيلٌ عَلَى أَنَّ اللَّهَ قَدَّرَ لَهُمُ الْغَلَبَ عَلَى الْفُرْسِ تَقْدِيرًا خَارِقًا لِلْعَادَةِ ؛ مُعْجِزَةً لِنَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَرَامَةً لِلْمُسْلِمِينَ .
وَلَفْظُ " بِضْعِ " بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ كِنَايَةٌ عَنْ عَدَدٍ قَلِيلٍ لَا يَتَجَاوَزُ الْعَشَرَةَ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=42فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ فِي سُورَةِ يُوسُفَ ، وَهَذَا أَجَلٌ لِرَدِّ الْكَرَّةِ لَهُمْ عَلَى الْفُرْسِ .
وَحِكْمَةُ إِبْهَامِ عَدَدِ السِّنِينَ أَنَّهُ مُقْتَضَى حَالِ كَلَامِ الْعَظِيمِ الْحَكِيمِ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى الْمَقْصُودِ إِجْمَالًا ، وَأَنْ لَا يَتَنَازَلَ إِلَى التَّفْصِيلِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ التَّفْصِيلَ يَتَنَزَّلُ مَنْزِلَةَ الْحَشْوِ عِنْدَ أَهْلِ الْعُقُولِ الرَّاجِحَةِ ، وَلِيَكُونَ لِلْمُسْلِمِينَ رَجَاءٌ فِي مُدَّةٍ أَقْرَبَ مِمَّا ظَهَرَ ، فَفِي ذَلِكَ تَفْرِيجٌ عَلَيْهِمْ .
وَهَذِهِ الْآيَةُ مِنْ مُعْجِزَاتِ الْقُرْآنِ الرَّاجِعَةِ إِلَى الْجِهَةِ الرَّابِعَةِ فِي الْمُقَدِّمَةِ الْعَاشِرَةِ مِنْ مُقَدِّمَاتِ هَذَا التَّفْسِيرِ .
رَوَى
التِّرْمِذِيُّ بِأَسَانِيدَ حَسَنَةٍ وَصَحِيحَةٍ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا يُحِبُّونَ أَنْ يَظْهَرَ
أَهْلُ فَارِسَ عَلَى
الرُّومِ ؛ لِأَنَّهُمْ وَإِيَّاهُمْ أَهْلُ أَوْثَانٍ ، وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ يُحِبُّونَ أَنْ يَظْهَرَ
الرُّومُ عَلَى
أَهْلِ فَارِسَ ؛ لِأَنَّهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ مِثْلَهُمْ ، فَكَانَتْ
فَارِسُ يَوْمَ نَزَلَتْ
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=1الم nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=2غُلِبَتِ الرُّومُ قَاهِرِينَ
لِلرُّومِ ، فَذَكَرُوهُ
لِأَبِي بَكْرٍ ، فَذَكَرَهُ
أَبُو بَكْرٍ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
nindex.php?page=hadith&LINKID=10342318فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : [ ص: 45 ] أَمَّا إِنَّهُمْ سَيَغْلِبُونَ ، وَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ ، فَخَرَجَ nindex.php?page=showalam&ids=1أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ يَصِيحُ فِي نُوَاحِي مَكَّةَ nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=1الم nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=2غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=4فِي بِضْعِ سِنِينَ فَقَالَ نَاسٌ مَنْ قُرَيْشٍ لِأَبِي بَكْرٍ : فَذَلِكَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ ، زَعَمَ صَاحِبُكُمْ أَنَّ الرُّومَ سَتَغْلِبُ فَارِسَ فِي بِضْعِ سِنِينَ ، أَفَلَا نُرَاهِنُكَ عَلَى ذَلِكَ قَالَ : بَلَى ، وَذَلِكَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الرِّهَانِ ، وَقَالُوا لِأَبِي بَكْرٍ : كَمْ تَجْعَلُ الْبِضْعَ ثَلَاثَ سِنِينَ إِلَى تِسْعِ سِنِينَ ، فَسَمِّ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ وَسَطًا نَنْتَهِي إِلَيْهِ . فَسَمَّى أَبُو بَكْرٍ لَهُمْ سِتَّ سِنِينَ ، فَارْتَهَنَ أَبُو بَكْرٍ وَالْمُشْرِكُونَ وَتَوَاضَعُوا الرِّهَانَ ، فَمَضَتْ سِتُّ السِّنِينَ قَبْلَ أَنْ يَظْهَرَ الرُّومُ ، فَأَخَذَ الْمُشْرِكُونَ رَهْنَ أَبِي بَكْرٍ . وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَبِي بَكْرٍ أَلَا أَخْفَضْتَ يَا أَبَا بَكْرٍ ، أَلَا جَعَلْتَهُ إِلَى دُونِ الْعَشْرِ ، فَإِنَّ الْبِضْعَ مَا بَيْنَ الثَّلَاثِ إِلَى التِّسْعِ . وَعَابَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ تَسْمِيَةَ سِتِّ سِنِينَ ، وَأَسْلَمَ عِنْدَ ذَلِكَ نَاسٌ كَثِيرٌ . وَذَكَرَ الْمُفَسِّرُونَ أَنَّ الَّذِي رَاهَنَ
أَبَا بَكْرٍ هُوَ
أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ ، وَأَنَّهُمْ جَعَلُوا الرِّهَانَ خَمْسَ قَلَائِصَ ، وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُمْ بَعْدَ أَنْ جَعَلُوا الْأَجَلَ سِتَّةَ أَعْوَامٍ غَيَّرُوهُ فَجَعَلُوهُ تِسْعَةَ أَعْوَامٍ وَازْدَادُوا فِي عَدَدِ الْقَلَائِصِ ، وَأَنَّ
أَبَا بَكْرٍ لَمَّا أَرَادَ الْهِجْرَةَ مَعَ النَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَعَلَّقَ بِهِ
أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ وَقَالَ لَهُ : أَعْطِنِي كَفِيلًا بِالْخَطَرِ إِنْ غُلِبْتَ ، فَكَفَلَ بِهِ ابْنَهُ
عَبَدَ الرَّحْمَنِ ، وَكَانَ
عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَيَّامَئِذٍ مُشْرِكًا بَاقِيًا
بِمَكَّةَ ، وَأَنَّهُ لَمَّا أَرَادَ
أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ الْخُرُوجَ إِلَى أُحُدٍ طَلَبَهُ
عَبْدُ الرَّحِمَنِ بِكَفِيلٍ فَأَعْطَاهُ كَفِيلًا . ثُمَّ مَاتَ
أُبَيُّ بِمَكَّةَ مِنْ جُرْحٍ جَرَحَهُ النَّبِيءُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، فَلَمَّا غَلَبَ
الرُّومُ بَعْدَ سَبْعِ سِنِينَ أَخَذَ
أَبُو بَكْرٍ الْخَطَرَ مِنْ وَرَثَةِ
أُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ .
وَقَدْ كَانَ
nindex.php?page=treesubj&link=32449تَغَلُّبُ الرُّومِ عَلَى الْفُرْسِ فِي سَنَةِ سِتٍّ ، وَوَرَدَ الْخَبَرُ إِلَى الْمُسْلِمِينَ . وَفِي حَدِيثِ
التِّرْمِذِيِّ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=44أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ : لَمَّا كَانَ يَوْمُ
بَدْرٍ ظَهَرَتِ
الرُّومُ عَلَى
فَارِسَ فَأَعْجَبَ ذَلِكَ الْمُؤْمِنِينَ . وَالْمَعْرُوفُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ . وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ السُّورَةِ أَنَّ الْمُدَّةَ بَيْنَ انْهِزَامِ الرُّومِ وَانْهِزَامِ
الْفُرْسِ سَبْعُ سِنِينَ - بِتَقْدِيمِ السِّينِ - وَأَنَّ مَا وَقَعَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهَا تِسْعٌ هُوَ تَصْحِيفٌ . وَقَدْ كَانَ غَلَبُ
الرُّومِ عَلَى
الْفُرْسِ فِي سَلْطَنَةِ
هِرَقْلَ قَيْصَرِ الرُّومِ ، وَبِإِثْرِهِ جَاءَ
هِرَقْلُ إِلَى
بِلَادِ الشَّامِ وَنَزَلَ
حِمْصَ وَلَقِيَ
nindex.php?page=showalam&ids=12026أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ فِي رَهْطٍ مِنْ
أَهْلِ مَكَّةَ جَاءُوا تُجَّارًا إِلَى
الشَّامِ .
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ فِي مُخَاطَرَةِ
أَبِي بَكْرٍ وَأُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ وَتَقْرِيرِ النَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِيَّاهَا احْتَجَّ بِهَا
أَبُو حَنِيفَةَ عَلَى جَوَازِ الْعُقُودِ الرِّبَوِيَّةِ مَعَ أَهْلِ الْحَرْبِ . وَأَمَّا الْجُمْهُورُ
[ ص: 46 ] فَهَذَا يَرَوْنَهُ مَنْسُوخًا بِمَا وَرَدَ مِنَ
nindex.php?page=treesubj&link=27974النَّهْيِ عَنِ الْقِمَارِ نَهْيًا مُطْلَقًا لَمْ يُقَيَّدْ بِغَيْرِ أَهْلِ الْحَرْبِ . وَتَحْقِيقُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْمُرَاهَنَةَ الَّتِي جَرَتْ بَيْنَ
أَبِي بَكْرٍ وَأُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ جَرَتْ عَلَى الْإِبَاحَةِ الْأَصْلِيَّةِ ؛ إِذْ لَمْ يَكُنْ شَرْعٌ
بِمَكَّةَ أَيَّامَئِذٍ ، فَلَا دَلِيلَ فِيهَا عَلَى إِبَاحَةِ الْمُرَاهِنَةِ ، وَأَنَّ تَحْرِيمَ الْمُرَاهَنَةِ بَعْدَ ذَلِكَ تَشْرِيعٌ أُنُفٌ وَلَيْسَ مِنَ النَّسْخِ فِي شَيْءٍ .
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=4لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ
جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الْمُتَعَاطِفَاتِ . وَالْمُرَادُ بِالْأَمْرِ أَمْرُ التَّقْدِيرِ وَالتَّكْوِينِ ، أَيْ أَنَّ اللَّهَ قَدَّرَ الْغَلَبَ الْأَوَّلَ وَالثَّانِيَ قَبْلَ أَنْ يَقَعَا ، أَيْ مِنْ قَبْلِ غَلَبِ
الرُّومِ عَلَى
الْفُرْسِ وَهُوَ الْمُدَّةُ الَّتِي مِنْ يَوْمِ غَلَبِ
الْفُرْسِ عَلَيْهِمْ وَمِنْ بَعْدِ غَلَبِ
الرُّومِ عَلَى
الْفُرْسِ .
فَهُنَالِكَ مُضَافَانِ إِلَيْهِمَا مَحْذُوفَانِ . فَبُنِيَتْ " قَبْلُ " وَ " بَعْدُ " عَلَى الضَّمِّ ؛ لِحَذْفِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ ؛ لِافْتِقَارِ مَعْنَاهُمَا إِلَى تَقْدِيرِ مُضَافَيْنِ إِلَيْهِمَا فَأَشْبَهَتَا الْحَرْفَ فِي افْتِقَارِ مَعْنَاهُ إِلَى الِاتِّصَالِ بِغَيْرِهِ . وَهَذَا الْبِنَاءُ هُوَ الْأَفْصَحُ فِي الِاسْتِعْمَالِ إِذَا حُذِفَ مَا تُضَافُ إِلَيْهِ " قَبْلُ " وَ " بَعْدُ " وَقُدِّرَ لِوُجُودِ دَلِيلٍ عَلَيْهِ فِي الْكَلَامِ ، وَأَمَّا إِذَا لَمْ تُقْصَدُ إِضَافَتُهُمَا بَلْ أُرِيدَ بِهِمَا الزَّمَنُ السَّابِقُ وَالزَّمَنُ اللَّاحِقُ ، فَإِنَّهُمَا يُعْرَبَانِ كَسَائِرِ الْأَسْمَاءِ النَّكِرَاتِ ، كَمَا قَالَ
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَعْرُبَ بْنِ مُعَاوِيَةَ أَوْ
يَزِيدُ بْنُ الصَّعْقِ :
فَسَاغَ لِيَ الشَّرَابُ وَكُنْتُ قَبْلًا أَكَادُ أَغَصُّ بِالْمَاءِ الْحَمِـيمِ
أَيْ وَكُنْتُ فِي زَمَنٍ سَبَقَ لَا يَقْصِدُ تَعْيِينَهُ . وَجَوَّزَ الْفَرَّاءُ فِيهِمَا مَعَ حَذْفِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ أَنْ تَبْقَى فِيهِمَا حَرَكَةُ الْإِعْرَابِ بِدُونِ تَنْوِينٍ ، وَدَرَجَ عَلَيْهِ
ابْنُ هِشَامٍ ، وَأَنْكَرَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزَّجَاجُ ، وَجَعَلَ مِنَ الْخَطَإِ رِوَايَةَ قَوْلِ الشَّاعِرِ الَّذِي لَا يُعْرَفُ اسْمُهُ :
وَمِنْ قَبْلِ نَادَى كُلُّ مَوْلًى قَرَابَةً فَمَا عَطَفَتْ مَوْلًى عَلَيْهِ الْعَوَاطِفُ
بِكَسْرِ لَامِ " قَبْلِ " رَادًّا قَوْلَ
الْفَرَّاءِ أَنَّهُ رُوِيَ بِكَسْرٍ دُونَ تَنْوِينٍ ، يُرِيدُ
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزَّجَاجُ : أَيِ الْوَاجِبُ أَنْ يُرْوَى بِالضَّمِّ .
وَتَقْدِيمُ الْمَجْرُورِ فِي قَوْلِهِ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=4لِلَّهِ الْأَمْرُ " لِإِبْطَالِ تَطَاوُلِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ بَهَجَهُمْ غَلَبُ
الْفُرْسِ عَلَى
الرُّومِ لِأَنَّهُمْ عَبَدَةُ أَصْنَامٍ مِثْلَهُمْ ؛ لِاسْتِلْزَامِهِ الِاعْتِقَادَ بِأَنَّ ذَلِكَ الْغَلَبَ مِنْ نَصْرِ الْأَصْنَامِ عُبَّادَهَا ، فَبَيَّنَ لَهُمْ بُطْلَانَ ذَلِكَ وَأَنَّ التَّصَرُّفَ لِلَّهِ وَحْدَهُ فِي
[ ص: 47 ] الْحَالَيْنِ ؛ لِلْحِكْمَةِ الَّتِي بَيَّنَّاهَا آنِفًا كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ التَّذْيِيلُ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=5يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ .
فِيهِ أَدَبٌ عَظِيمٌ لِلْمُسْلِمِينَ لِكَيْ لَا يُعَلِّلُوا الْحَوَادِثَ بِغَيْرِ أَسْبَابِهَا وَيَنْتَحِلُوا لَهَا عِلَلًا تُوَافِقُ الْأَهْوَاءَ كَمَا كَانَتْ تَفْعَلُهُ الدَّجَاجِلَةُ مِنَ الْكُهَّانِ وَأَضْرَابِهِمْ . وَهَذَا الْمَعْنَى كَانَ النَّبِيءُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُعْلِنُهُ فِي خُطَبِهِ ، فَقَدْ كُسِفَتِ الشَّمْسُ يَوْمَ مَاتَ
إِبْرَاهِيمُ ابْنُ النَّبِيءِ فَقَالَ النَّاسُ : كُسِفَتْ لِمَوْتِ
إِبْرَاهِيمَ ، فَخَطَبَ النَّبِيءُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ فِي خُطْبَتِهِ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10342319إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ ، لَا يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ . وَكَانَ مِنْ صِنَاعَةِ الدَّجَلِ أَنْ يَتَلَقَّنَ أَصْحَابُ الدَّجَلِ الْحَوَادِثَ الْمُقَارِنَةَ لِبَعْضِ الْأَحْوَالِ فَيَزْعُمُوا أَنَّهَا كَانَتْ لِذَلِكَ مَعَ أَنَّهَا تَنْفَعُ أَقْوَامًا وَتَضُرُّ بِآخَرِينَ ؛ وَلِهَذَا كَانَ التَّأْيِيدُ بِنَصْرِ
الرُّومِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مَوْعُودًا بِهِ مِنْ قَبْلُ ؛ لِيَعْلَمَ النَّاسُ كُلُّهُمْ أَنَّهُ مُتَحَدًّى بِهِ قَبْلَ وُقُوعِهِ لَا مُدَّعًى بِهِ بَعْدَ وُقُوعِهِ ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى بَعْدَ الْوُعُودِ
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=4وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ .