وهي آية تنطوي على عدة آيات منها : أن جعل للإنسان ناموس التناسل ، وأن جعل تناسله بالتزاوج ولم يجعله كتناسل النبات من نفسه ، وأن جعل أزواج الإنسان من صنفه ولم يجعلها من صنف آخر لأن التآنس لا يحصل بصنف مخالف ، وأن جعل في ذلك التزاوج أنسا بين الزوجين ولم يجعله تزاوجا عنيفا أو مهلكا كتزاوج الضفادع ، وأن جعل بين كل زوجين مودة ومحبة فالزوجان يكونان من قبل التزواج متجاهلين فيصبحان بعد التزواج متحابين ، وأن جعل بينهما رحمة فهما قبل التزاوج لا عاطفة بينهما فيصبحان بعده متراحمين كرحمة الأبوة والأمومة ، ولأجل ما ينطوي عليه هذا الدليل ويتبعه من النعم والدلائل جعلت هذه الآية آيات عدة في قوله إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون .
وهذه الآية كائنة في خلق جوهر الصنفين من الإنسان : صنف الذكر ، وصنف الأنثى ، وإيداع نظام الإقبال بينهما في جبلتهما . وذلك من الذاتيات النسبية بين الصنفين .
وقد أدمج في الاعتبار بهذه الآية امتنان بنعمة في هذه الآية أشار إليها قوله ( لكم ) أي لأجل نفعكم .
و ( لقوم يتفكرون ) متعلق بـ ( آيات ) لما فيه من معنى الدلالة . وجعلت الآيات لقوم يتفكرون لأن في تلك الدلائل هو الذي يجلي كنهها ويزيد الناظر بصارة بمنافع أخرى في ضمنها . التفكر والنظر
والذين يتفكرون : المؤمنون وأهل الرأي من المشركين الذين يؤمنون بعد نزول هذه الآية .
والخطاب في قوله أن خلق لكم لجميع نوع الإنسان الذكور والإناث . والزوج : هو الذي به يصير للواحد ثان فيطلق على امرأة الرجل ورجل المرأة فجعل الله لكل فرد زوجه .
[ ص: 72 ] ومعنى من أنفسكم من نوعكم ، فجميع الأزواج من نوع الناس ، وأما قول تأبط شرا :
وتزوجت في الشبيبة غولا بغزال وصدقتي زق خمر
فمن تكاذيبهم ، وكذلك ما يزعمه المشعوذون من التزوج بالجنيات وما يزعمه أهل الخرافات والروايات من وجود بنات في البحر وأنها قد يتزوج بعض الإنس ببعضها .والسكون : هنا مستعار للتأنس وفرح النفس لأن في ذلك زوال اضطراب الوحشة والكمد والسكون الذي هو زوال اضطراب الجسم كما قالوا : اطمأن إلى كذا وانقطع إلى كذا .
وضمن لتسكنوا معنى لتميلوا فعدي بحرف ( إلى ) وإن كان حقه أن يعلق بـ ( عند ) ونحوها من الظروف .
والمودة : المحبة . والرحمة : صفة تبعث على حسن المعاملة .
وإنما جعل في ذلك آيات كثيرة باعتبار اشتمال ذلك الخلق على دقائق كثيرة متولد بعضها عن بعض يظهرها التأمل والتدبر بحيث يتجمع منها آيات كثيرة .
واللام في قوله لقوم يتفكرون معناه شبه التمليك وهو معنى أثبته صاحب مغني اللبيب ويظهر أنه واسطة بين معنى التمليك ومعنى التعليل . ومثله في المغني بقوله تعالى جعل لكم من أنفسكم أزواجا وذكر في المعنى العشرين من معاني اللام أن ابن مالك في كافيته سماه لام التعدية ولعله يريد تعدية خاصة ، ومثله بقوله تعالى فهب لي من لدنك وليا .