nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=218nindex.php?page=treesubj&link=28973_29674إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم
قال
الفخر : في تعلق هذه الآية بما قبلها وجهان ، أحدهما : أن
عبد الله بن جحش قال : يا رسول الله هب أنه لا عقاب علينا فيما فعلنا ، فهل نطمع منه أجرا أو ثوابا ؟ فنزلت هذه الآية; لأن
عبد الله كان مؤمنا ومهاجرا وكان بسبب هذه المقاتلة مجاهدا يعني فتحققت فيه الأوصاف الثلاثة .
الثاني : أنه تعالى لما أوجب الجهاد بقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=216كتب عليكم القتال أتبع ذلك بذكر من يقوم به اهـ . ، والذي يظهر لي أن تعقيب ما قبلها بها من باب تعقيب الإنذار بالبشارة وتنزيه للمؤمنين من احتمال ارتدادهم فإن
المهاجرين لم يرتد منهم أحد . وهذه الجملة معترضة بين آيات التشريع .
و الذين هاجروا هم الذين خرجوا من
مكة إلى
المدينة فرارا بدينهم ، مشتق من الهجر وهو الفراق ، وإنما اشتق منه وزن المفاعلة للدلالة على أنه هجر نشأ عن عداوة من الجانبين فكل من المنتقل والمنتقل عنه قد هجر الآخر وطلب بعده ، أو المفاعلة للمبالغة كقولهم : عافاك الله فيدل على أنه هجر قوما هجرا شديدا ، قال
عبدة بن الطيب :
إن التي ضربت بيتا مهاجرة بكوفة الجند غالت ودها غول
والمجاهدة مفاعلة مشتقة من الجهد وهو المشقة وهي القتال لما فيه من بذل الجهد كالمفاعلة للمبالغة ، وقيل : لأنه يضم جهده إلى جهد آخر في نصر الدين مثل المساعدة وهي ضم الرجل ساعده إلى ساعد آخر للإعانة والقوة ، فالمفاعلة بمعنى الضم والتكرير ، وقيل : لأن المجاهد يبذل جهده في قتال من يبذل جهده كذلك لقتاله فهي مفاعلة حقيقية . و في للتعليل .
و سبيل الله ما يوصل إلى رضاه وإقامة دينه ، والجهاد والمجاهدة من المصطلحات القرآنية والإسلامية ، وكرر الموصول لتعظيم الهجرة والجهاد كأنهما مستقلان في تحقيق الرجاء .
[ ص: 338 ] وجيء باسم الإشارة للدلالة على أن رجاءهم رحمة الله لأجل إيمانهم وهجرتهم وجهادهم ، فتأكد بذلك ما يدل عليه الموصول من الإيماء إلى وجه بناء الخبر ، وإنما احتيج لتأكيده لأن الصلتين لما كانتا مما اشتهر بهما المسلمون وطائفة منهم صارتا كاللقب; إذ يطلق على المسلمين يومئذ في لسان الشرع اسم الذين آمنوا كما يطلق على مسلمي
قريش يومئذ اسم المهاجرين فأكد قصد الدلالة على وجه بناء الخبر من الموصول .
والرجاء : ترقب الخير مع تغليب ظن حصوله ، فإن وعد الله وإن كان لا يخلف فضلا منه وصدقا ، ولكن الخواتم مجهولة ، ومصادفة العمل لمراد الله قد تفوت لموانع لا يدريها المكلف ولئلا يتكلوا في الاعتماد على العمل .
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=218nindex.php?page=treesubj&link=28973_29674إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ
قَالَ
الْفَخْرُ : فِي تَعَلُّقِ هَذِهِ الْآيَةِ بِمَا قَبْلَهَا وَجْهَانِ ، أَحَدُهُمَا : أَنَّ
عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَحْشٍ قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ هَبْ أَنَّهُ لَا عِقَابَ عَلَيْنَا فِيمَا فَعَلْنَا ، فَهَلْ نَطْمَعُ مِنْهُ أَجْرًا أَوْ ثَوَابًا ؟ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ; لِأَنَّ
عَبْدَ اللَّهِ كَانَ مُؤْمِنًا وَمُهَاجِرًا وَكَانَ بِسَبَبِ هَذِهِ الْمُقَاتَلَةِ مُجَاهِدًا يَعْنِي فَتَحَقَّقَتْ فِيهِ الْأَوْصَافُ الثَّلَاثَةُ .
الثَّانِي : أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَوْجَبَ الْجِهَادَ بِقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=216كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَتْبَعَ ذَلِكَ بِذِكْرِ مَنْ يَقُومُ بِهِ اهـ . ، وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ تَعْقِيبَ مَا قَبْلَهَا بِهَا مِنْ بَابِ تَعْقِيبِ الْإِنْذَارِ بِالْبِشَارَةِ وَتَنْزِيهٌ لِلْمُؤْمِنِينَ مِنِ احْتِمَالِ ارْتِدَادِهِمْ فَإِنَّ
الْمُهَاجِرِينَ لَمْ يَرْتَدَّ مِنْهُمْ أَحَدٌ . وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ آيَاتِ التَّشْرِيعِ .
وَ الَّذِينَ هَاجَرُوا هُمُ الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ
مَكَّةَ إِلَى
الْمَدِينَةِ فِرَارًا بِدِينِهِمْ ، مُشْتَقٌّ مِنَ الْهَجْرِ وَهُوَ الْفِرَاقُ ، وَإِنَّمَا اشْتُقَّ مِنْهُ وَزْنُ الْمُفَاعَلَةِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّهُ هَجْرٌ نَشَأَ عَنْ عَدَاوَةٍ مِنَ الْجَانِبَيْنِ فَكُلٌّ مِنَ الْمُنْتَقِلِ وَالْمُنْتَقَلِ عَنْهُ قَدْ هَجَرَ الْآخَرَ وَطَلَبَ بُعْدَهُ ، أَوِ الْمُفَاعَلَةُ لِلْمُبَالَغَةِ كَقَوْلِهِمْ : عَافَاكَ اللَّهُ فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ هَجَرَ قَوْمًا هَجْرًا شَدِيدًا ، قَالَ
عَبْدَةُ بْنُ الطَّيِّبِ :
إِنَّ الَّتِي ضَرَبَتْ بَيْتًا مُهَاجَرَةً بِكُوفَةَ الْجُنْدِ غَالَتْ وُدَّهَا غُولُ
وَالْمُجَاهَدَةُ مُفَاعَلَةٌ مُشْتَقَّةٌ مِنَ الْجُهْدِ وَهُوَ الْمَشَقَّةُ وَهِيَ الْقِتَالُ لِمَا فِيهِ مِنْ بَذْلِ الْجُهْدِ كَالْمُفَاعَلَةِ لِلْمُبَالَغَةِ ، وَقِيلَ : لِأَنَّهُ يَضُمُّ جُهْدَهُ إِلَى جُهْدٍ آخَرَ فِي نَصْرِ الدِّينِ مِثْلَ الْمُسَاعَدَةِ وَهِيَ ضَمُّ الرَّجُلِ سَاعِدَهُ إِلَى سَاعِدِ آخَرَ لِلْإِعَانَةِ وَالْقُوَّةِ ، فَالْمُفَاعَلَةُ بِمَعْنَى الضَّمِّ وَالتَّكْرِيرِ ، وَقِيلَ : لِأَنَّ الْمُجَاهِدَ يَبْذُلُ جُهْدَهُ فِي قِتَالِ مَنْ يَبْذُلُ جُهْدَهُ كَذَلِكَ لِقِتَالِهِ فَهِيَ مُفَاعَلَةٌ حَقِيقِيَّةٌ . وَ فِي لِلتَّعْلِيلِ .
وَ سَبِيلِ اللَّهِ مَا يُوصِلُ إِلَى رِضَاهُ وَإِقَامَةِ دِينِهِ ، وَالْجِهَادُ وَالْمُجَاهَدَةُ مِنَ الْمُصْطَلَحَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ وَالْإِسْلَامِيَّةِ ، وَكَرَّرَ الْمَوْصُولَ لِتَعْظِيمِ الْهِجْرَةِ وَالْجِهَادِ كَأَنَّهُمَا مُسْتَقِلَّانِ فِي تَحْقِيقِ الرَّجَاءِ .
[ ص: 338 ] وَجِيءَ بِاسْمِ الْإِشَارَةِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ رَجَاءَهُمْ رَحْمَةَ اللَّهِ لِأَجْلِ إِيمَانِهِمْ وَهِجْرَتِهِمْ وَجِهَادِهِمْ ، فَتَأَكَّدَ بِذَلِكَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْمَوْصُولُ مِنَ الْإِيمَاءِ إِلَى وَجْهِ بِنَاءِ الْخَبَرِ ، وَإِنَّمَا احْتِيجَ لِتَأْكِيدِهِ لِأَنَّ الصِّلَتَيْنِ لَمَّا كَانَتَا مِمَّا اشْتُهِرَ بِهِمَا الْمُسْلِمُونَ وَطَائِفَةٌ مِنْهُمْ صَارَتَا كَاللَّقَبِ; إِذْ يُطْلَقُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ فِي لِسَانِ الشَّرْعِ اسْمُ الَّذِينَ آمَنُوا كَمَا يُطْلَقُ عَلَى مُسْلِمِي
قُرَيْشٍ يَوْمَئِذٍ اسْمُ الْمُهَاجِرِينَ فَأَكَّدَ قَصْدَ الدَّلَالَةِ عَلَى وَجْهِ بِنَاءِ الْخَبَرِ مِنَ الْمَوْصُولِ .
وَالرَّجَاءُ : تَرَقُّبُ الْخَيْرِ مَعَ تَغْلِيبِ ظَنِّ حُصُولِهِ ، فَإِنَّ وَعْدَ اللَّهِ وَإِنْ كَانَ لَا يُخْلَفُ فَضْلًا مِنْهُ وَصِدْقًا ، وَلَكِنَّ الْخَوَاتِمَ مَجْهُولَةٌ ، وَمُصَادَفَةُ الْعَمَلِ لِمُرَادِ اللَّهِ قَدْ تَفُوتُ لِمَوَانِعَ لَا يَدْرِيهَا الْمُكَلَّفُ وَلِئَلَّا يَتَّكِلُوا فِي الِاعْتِمَادِ عَلَى الْعَمَلِ .