[ ص: 135 ] فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون
الأمر للنبيء صلى الله عليه وسلم بالصبر تفرع على جملة ولئن جئتهم بآية لتضمنها تأييسه من إيمانهم .
وحذف متعلق الأمر بالصبر لدلالة المقام عليه ، أي اصبر على تعنتهم .
وجملة إن وعد الله حق تعليل للأمر بالصبر وهو تأنيس للنبيء صلى الله عليه وسلم بتحقيق وعد الله من الانتقام من المكذبين ومن نصر الرسول عليه الصلاة والسلام .
والحق : مصدر حق يحق بمعنى ثبت ، فالحق : الثابت الذي لا ريب فيه ولا مبالغة .
والاستخفاف : مبالغة في جعله خفيفا فالسين والتاء للتقوية مثلها في نحو : استجاب واستمسك ، وهو ضد الصبر . والمعنى : لا يحملنك على ترك الصبر .
والخفة مستعارة لحالة الجزع وظهور آثار الغضب . وهي مثل القلق المستعار من اضطراب الشيء لأن آثار الجزع والغضب تشبه تقلقل الشيء الخفيف ، فالشيء الخفيف يتقلقل بأدنى تحريك ، وفي ضده يستعار الرسوخ والتثاقل . وشاعت هذه الاستعارات حتى ساوت الحقيقة في الاستعمال .
ونهي الرسول عن أن يستخفه الذين لا يوقنون نهي عن الخفة التي من شأنها أن تحدث للعاقل إذا رأى عناد من هو يرشده إلى الصلاح ، وذلك مما يستفز غضب الحليم ، فالاستخفاف هنا هو أن يؤثروا في نفسه ضد الصبر ، ويأتي قوله تعالى فاستخف قومه فأطاعوه في سورة الزخرف ، فانظره إكمالا لما هنا .
وأسند الاستخفاف إليهم على طريقة المجاز العقلي لأنهم سببه بما يصدر من عنادهم .
والذين لا يوقنون : هم المشركون الذين أجريت عليهم الصفات المتقدمة من [ ص: 136 ] الإجرام ، والظلم ، والكفر ، وعدم العلم فهو إظهار في مقام الإضمار للتصريح بمساويهم . قيل : كان منهم النضر بن الحارث .
ومعنى لا يوقنون أنهم لا يوقنون بالأمور اليقينية ، أي التي دلت عليها الدلائل القطعية فهم مكابرون .