وقدموا لأنفسكم واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه وبشر المؤمنين عطف على جملة فأتوا حرثكم ، أو على جملة إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين . عطف الإنشاء على الخبر ، على أن الجملة المعطوف عليها وإن كانت خبرا فالمقصود منها الأمر بالتوبة والتطهر; فكرر ذلك اهتماما بالحرص على الأعمال الصالحة بعد الكلام على اللذائذ العاجلة . وحذف مفعول قدموا اختصارا لظهوره ; لأن التقديم هنا إعداد الحسنات فإنها بمنزلة الثقل الذي يقدمه المسافر .
وقوله لأنفسكم متعلق بـ ( قدموا ) ، واللام للعلة أي لأجل أنفسكم أي لنفعها ، وقوله واتقوا الله تحريض على امتثال الشرع بتجنب المخالفة ، فيدخل تحته التخلي عن السيئات والتحلي بالواجبات والقربات ، فمضمونها أعم من مضمون جملة وقدموا لأنفسكم فلذلك كانت هذه تذييلا .
[ ص: 375 ] وقوله واعلموا أنكم ملاقوه يجمع التحذير والترغيب ، أي فلاقوه بما يرضى به عنكم كقوله : ووجد الله عنده ، وهو عطف على قوله واتقوا الله .
والملاقاة : مفاعلة من اللقاء وهو الحضور لدى الغير بقصد أو مصادفة . وأصل مادة لقي تقتضي الوقوع بين شيئين فكانت مفيدة معنى المفاعلة بمجردها ، فلذلك كان لقي ولاقى بمعنى واحد ، وإنما أمرهم الله بعلم أنهم ملاقوه مع أن المسلمين يعلمون ذلك تنزيلا لعلمهم منزلة العدم في هذا الشأن ، ليزاد من تعليمهم اهتماما بهذا المعلوم وتنافسا فيه على أننا رأينا أن في افتتاح الجملة بكلمة : " اعلموا " اهتماما بالخبر واستنصاتا له وهي نقطة عظيمة سيأتي الكلام عليها عند قوله تعالى واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه في سورة الأنفال .
وقد رتبت الجمل الثلاث الأول على عكس ترتيب حصول مضامينها في الخارج; فإن الظاهر أن يكون الإعلام بملاقاة الله هو الحاصل أولا ثم يعقبه الأمر بالتقوى ، ثم الأمر بأن يقدموا لأنفسهم ، فخولف الظاهر للمبادرة بالأمر بالاستعداد ليوم الجزاء ، وأعقب بالأمر بالتقوى إشعارا بأنها هي الاستعداد ، ثم ذكروا بأنهم ملاقو الله فجاء ذلك بمنزلة التعليل .
وقوله وبشر المؤمنين تعقيب للتحذير بالبشارة ، والمراد : المؤمنون الكاملون وهم الذين يسرون بلقاء الله كما جاء : ، وذكر هذه البشارة عقب ما تقدم إشارة إلى أن امتثال الأحكام المتقدمة من كمال الإيمان ، وجملة : من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه وبشر المؤمنين ، معطوفة على جملة : واعلموا أنكم ملاقوه ، على الأظهر من جعل جملة : نساؤكم حرث لكم ، استئنافا غير معمولة لـ قل هو أذى ، وإذا جعلت جملة ( نساؤكم ) من معمول القول كانت جملة ( وبشر ) معطوفة على جملة قل هو أذى ; إذ لا يصح وقوعها مقولا للقول كما اختاره التفتازاني .