والقول في المراد من قوله ما جعل كالقول في نظيره من قوله ( وما جعل أزواجكم اللاء تظهرون منهن أمهاتكم ) .
والمعنى : أنكم تنسبون الأدعياء أبناء فتقولون للدعي : هو ابن فلان ، للذي تبناه ، وتجعلون له جميع ما للأبناء .
والأدعياء : جمع دعي بوزن فعيل بمعنى مفعول مشتقا من مادة الادعاء ، والادعاء : زعم الزاعم الشيء حقا له من مال أو نسب أو نحو ذلك بصدق أو كذب ، وغلب وصف الدعي على المدعي أنه ابن لمن يتحقق أنه ليس أبا له ; فمن ادعي أنه ابن لمن يحتمل أنه أب له فذلك هو اللحيق أو المستلحق ، فالدعي لم يجعله الله ابنا لمن ادعاه للعلم بأنه ليس أبا له ، وأما المستلحق فقد جعله الله ابنا لمن استلحقه بحكم استلحاقه مع إمكان أبوته له .
وجمع على أفعلاء لأنه معتل اللام فلا يجمع على فعلى ، والأصح أن أفعلاء يطرد في جمع فعيل المعتل اللام سواء كان بمعنى فاعل أو بمعنى مفعول .
نزلت هذه الآية في ، أي إبطال ترتيب آثار البنوة الحقيقة من الإرث ، وتحريم القرابة ، وتحريم الصهر ، وكانوا في الجاهلية يجعلون للمتبنى أحكام البنوة كلها ، وكان من أشهر المتبنين في عهد الجاهلية إبطال التبني ، تبناه النبيء - صلى الله عليه وسلم - زيد بن حارثة تبناه وعامر بن ربيعة الخطاب أبو عمر بن الخطاب ، وسالم تبناه أبو حذيفة ، تبناه والمقداد بن عمرو الأسود بن عبد يغوث ، فكان كل واحد من هؤلاء الأربعة يدعى ابنا للذي تبناه .
[ ص: 259 ]
الذي نزلت الآية في شأنه كان غريبا من وزيد بن حارثة بني كلب من وبرة ، من أهل الشام ، وكان أبوه حارثة توفي وترك ابنيه جبلة وزيدا ، فبقيا في حجر جدهما ، ثم جاء عماهما فطلبا من الجد كفالتهما فأعطاهما جبلة وبقي زيد عنده فأغارت على الحي خيل من تهامة فأصابت زيدا فأخذ جده يبحث عن مصيره ، وقال أبياتا منها :
بكيت على زيد ولم أدر ما فعل أحي فيرجى أم أتى دونه الأجل
وأنه علم أن زيدا بمكة وأن الذين سبوه باعوه بمكة فابتاعه فوهبه لعمته حكيم بن حزام بن خويلد زوج النبيء - صلى الله عليه وسلم - فوهبته خديجة بنت خويلد للنبيء - صلى الله عليه وسلم - فأقام عنده زمنا ثم جاء جده وعمه يرغبان في فدائه فأبى الفداء واختار البقاء على الرق عند النبيء فحينئذ أشهد النبيء خديجة قريشا أن زيدا ابنه ، يرث أحدهما الآخر ، فرضي أبوه وعمه وانصرفا فأصبح يدعى : زيد بن محمدوذلك قبل البعثة . وقتل زيد في غزوة مؤتة من أرض الشام سنة ثمان من الهجرة .