النبيء أولى بالمؤمنين من أنفسهم استئناف بياني أن قوله تعالى : وما جعل أدعياءكم أبناءكم وقوله ادعوهم لآبائهم كان قد شمل في أول ما شمله إبطال بنوة زيد بن حارثة للنبيء - صلى الله عليه وسلم - فكان بحيث يثير سؤالا في نفوس الناس عن مدى صلة المؤمنين بنبيئهم - صلى الله عليه وسلم - وهل هي وعلقة الأجانب من المؤمنين بعضهم ببعض سواء فلأجل تعليم المؤمنين حقوق النبيء وحرمته جاءت هذه الآية مبينة أن النبيء أولى بالمؤمنين من أنفسهم .
والمعنى : أنه أولى بكل مؤمن من أنفس المؤمنين .
و " من " تفضيلية .
ثم الظاهر أن الأنفس مراد بها جمع النفس وهي اللطيفة الإنسانية كقوله تعلم ما في نفسي ، وأن الجمع للتوزيع على كل مؤمن آيل إلى كل فرد من الأنفس ، أي أن النبيء أولى بكل مؤمن من نفس ذلك المؤمن ، أي هو أشد ولاية ، أي قربا لكل مؤمن من قرب نفسه إليه ، وهو قرب معنوي يراد به آثار القرب من محبة ونصرة .
فـ " أولى " اسم تفضيل من الولي وهو القرب ، أي أشد قربا .
وهذا الاسم يتضمن معنى الأحقية بالشيء فيتعلق به متعلقه بباء المصاحبة والملابسة . والكلام على تقدير مضاف ، أي أولى بمنافع المؤمنين أو بمصالح المؤمنين ، فهذا المضاف حذف لقصد تعميم كل شأن من شئون المؤمنين الصالحة .
[ ص: 267 ] والأنفس : الذوات ، أي هو أحق بالتصرف في شئونهم من أنفسهم في تصرفهم في شئونهم .
ومن هذا المعنى ما في الحديث الصحيح من للنبيء - صلى الله عليه وسلم - : لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي التي بين جنبي ، فقال له النبيء - صلى الله عليه وسلم - : " لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه " . فقال عمر بن الخطاب عمر : والذي أنزل عليك الكتاب لأنت أحب إلي من نفسي . قول
ويجوز أن يكون المراد بالأنفس مجموع نوعهم كقوله إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم ، ويجوز أن يكون المراد بالأنفس الناس .
والمعنى : أنه أولى بالمؤمنين من ولاية بعضهم لبعض ، أي من ولاية جميعهم لبعضهم على نحو قوله تعالى : ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم ، أي يقتل بعضكم بعضا ، وقوله : ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما .
والوجه الأول أقوى وأعم في اعتبار حرمة النبيء - صلى الله عليه وسلم - وهو يفيد أولويته بمن عدا الأنفس من المؤمنين بدلالة فحوى الخطاب ، وأما الاحتمال الثاني فإنه لا يفيد أنه أولى بكل مؤمن بنفس ذلك المؤمن إلا بدلالة قياس الأدون ، ولذلك استثنى بادئ الأمر نفسه فقال : عمر بن الخطاب لأنت أحب إلي إلا من نفسي التي بين جنبي .
وعلى كلا الوجهين فالنبيء عليه الصلاة والسلام أولى بالمؤمنين من آبائهم وأبنائهم ، وعلى الاحتمال الأول أولى بكل مؤمن من نفسه . وسننبه عليه عند قوله تعالى : وأزواجه أمهاتهم فكانت . ولاية النبيء - صلى الله عليه وسلم - بالمؤمنين بعد إبطال التبني سواء على جميع المؤمنين
وفي الحديث : النبيء أولى بالمؤمنين من أنفسهم ) ، ولما علمت من أن هذه الولاية راجعة إلى حرمته وكرامته تعلم أنها لا تتعدى ذلك فيما هو من تصرفات الناس وحقوق بعضهم من بعض ، مثل ميراث الميت من المسلمين فإن ميراثه لورثته ، وقد [ ص: 268 ] بينه قول النبيء - صلى الله عليه - : ما من مؤمن إلا وأنا أولى الناس به في الدنيا والآخرة اقرءوا إن شئتم : ( . أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم فأيما مؤمن ترك مالا فليرثه ورثته من كانوا ، فإن ترك دينا أو ضياعا فليأتني فأنا مولاه
وهذا ملاك معنى هذه الآية .