إن الله كان غفورا رحيما ليجزي الله الصادقين بصدقهم ويعذب المنافقين إن شاء أو يتوب عليهم
لام التعليل يتنازعه من التعلق كل من صدقوا وما بدلوا أي صدق المؤمنون عهدهم وبدله المنافقون ليجزي الله الصادقين ويعذب المنافقين .
ولام التعليل بالنسبة إلى فعل ليجزي الله الصادقين مستعمل في حقيقة معناه ، وبالنسبة إلى فعل ويعذب مستعار لمعنى فاء العاقبة تشبيها لعاقبة فعلهم بالعلة الباعثة على ما اجترحوه من التبديل والخيس بالعهد تشبيها يفيد عنايتهم بما فعلوه من التبديل حتى كأنهم ساعون إلى طلب ما حق عليهم من [ ص: 309 ] العذاب على فعلهم ، أو تشبيها إياهم في عنادهم وكيدهم بالعالم بالجزاء الساعي إليه وإن كان فيه هلاكه .
والجزاء : الثواب لأن أكثر ما يستعمل فعل جزى أن يكون في الخير ، ولأن ذكر سبب الجزاء وهو بصدقهم يدل على أنه جزاء إحسان ، وقد جاء الجزاء في ضد ذلك في قوله تعالى : اليوم تجزون عذاب الهون في سورة الأنعام .
وإظهار اسم الجلالة في مقام إضماره للدلالة على عظمة الجزاء .
وتعليق التعذيب على المشيئة تنبيه لهم وأنه لا يقطع رجاءهم في السعي إلى مغفرة ما أتوه بأن يتوبوا فيتوب الله عليهم فلما قابل تعذيبه إياهم بتوبته عليهم تعين أن التعذيب باق عند عدم توبتهم لقوله في الآية الأخرى بسعة رحمة الله إن الله لا يغفر أن يشرك به .
والتوبة هنا هي التوبة من النفاق ، أي هي إخلاص الإيمان ، وقد تاب كثير من المنافقين بعد ذلك ، منهم معتب بن قشير .
وجملة إن الله كان غفورا رحيما تعليل للجزاء والتعذيب كليهما على التوزيع ، أي غفور للمذنب إذا أناب إليه ، رحيم بالمحسن أن يجازيه على قدر نصبه .
وفي ذكر فعل كان إفادة أن له كما قدمناه غير مرة ، من ذلك عند قوله تعالى : المغفرة والرحمة صفتان ذاتيتان أكان للناس عجبا أن أوحينا في أول سورة يونس .