ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى التبرج : إظهار المرأة محاسن ذاتها وثيابها وحليها بمرأى الرجال . وتقدم في قوله تعالى غير متبرجات بزينة في سورة النور .
وانتصب تبرج الجاهلية الأولى على المفعول المطلق وهو في معنى الوصف الكاشف أريد به . والمقصود من النهي الدوام على الانكفاف عن التبرج وأنهن منهيات عنه . وفيه تعريض بنهي غيرهن من المسلمات عن التبرج فإن التنفير من التبرج المدينة أيامئذ قد بقي فيها نساء المنافقين وربما كن على بقية من سيرتهن في الجاهلية فأريد النداء على إبطال ذلك في سيرة المسلمات ، ويظهر أن أمهات المؤمنين منهيات عن التبرج مطلقا حتى في الأحوال التي رخص للنساء التبرج فيها ( في سورة النور ) في بيوتهن لأن ترك التبرج كمال وتنزه عن الاشتغال بالسفاسف .
فنسب إلى أهل الجاهلية إذ كان قد تقرر بين المسلمين تحقير ما كان عليه أمر [ ص: 13 ] الجاهلية إلا ما أقره الإسلام .
والجاهلية : المدة التي كانت عليها العرب قبل الإسلام ، وتأنيثها لتأويلها بالمدة . والجاهلية نسبة إلى الجاهل لأن الناس الذين عاشوا فيها كانوا جاهلين بالله وبالشرائع ، وقد تقدم عند قوله تعالى يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية في سورة آل عمران .
ووصفها بالأولى وصف كاشف لأنها أولى قبل الإسلام وجاء الإسلام بعدها فهو كقوله تعالى وأنه أهلك عادا الأولى ، وكقولهم : العشاء الآخرة ، وليس ثمة جاهليتان أولى وثانية . ومن المفسرين من جعلوه وصفا مقيدا وجعلوا الجاهلية جاهليتين فمنهم من قال : الأولى هي ما قبل الإسلام وستكون جاهلية أخرى بعد الإسلام يعني حين ترتفع أحكام الإسلام والعياذ بالله . ومنهم من قال : الجاهلية الأولى هي القديمة من عهد ما قبل إبراهيم ولم يكن للنساء وازع ولا للرجال ، ووضعوا حكايات في ذلك مختلفة أو مبالغا فيها أو في عمومها ، وكل ذلك تكلف دعاهم إليه حمل الوصف على قصد التقييد .