والتعريف في ( البيت ) تعريف العهد وهو بيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وبيوت النبي - صلى الله عليه وسلم - كثيرة فالمراد بالبيت هنا بيت كل واحدة من أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - وكل بيت من تلك البيوت أهله النبي - صلى الله عليه وسلم - وزوجه صاحبة ذلك ، ولذلك جاء بعده قوله ( واذكرن ما يتلى في بيوتكن ) ، وضميرا الخطاب موجهان إلى نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - على سنن الضمائر التي تقدمت . وإنما جيء بالضميرين بصيغة جمع المذكر على طريقة التغليب لاعتبار النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الخطاب ؛ لأنه رب كل بيت من بيوتهن وهو حاضر الخطاب إذ هو مبلغه . وفي هذا التغليب إيماء إلى أن هذا التطهير لهن لأجل مقام النبي - صلى الله عليه وسلم - لتكون قريناته مشابهات له في الزكاء والكمال ، كما قال تعالى والطيبات للطيبين يعني أزواج النبي للنبي - صلى الله عليه وسلم - ، وهو نظير قوله في قصة إبراهيم رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت والمخاطب زوج إبراهيم وهو معها .
والرجس في الأصل : القذر الذي يلوث الأبدان ، واستعير هنا للذنوب والنقائص الدينية لأنها تجعل عرض الإنسان في الدنيا والآخرة مرذولا مكروها كالجسم الملوث بالقذر . وقد تقدم في قوله تعالى رجس من عمل الشيطان في سورة العقود . واستعير التطهير لضد ذلك وهو تجنيب الذنوب والنقائص كما يكون الجسم أو الثوب طاهرا .
واستعير الإذهاب للإنجاء والإبعاد .
[ ص: 15 ] وفي التعبير بالفعل المضارع دلالة على تجدد الإرادة واستمرارها ، وإذا أراد الله أمرا قدره إذ لا راد لإرادته .
والمعنى : ما يريد الله لكن مما أمركن ونهاكن إلا عصمتكن من النقائص وتحليتكن بالكمالات ودوام ذلك ، أي لا يريد من ذلك مقتا لكن ولا نكاية . فالقصر قصر قلب كما قال تعالى ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم . وهذا وجه مجيء صيغة القصر بإنما . والآية تقتضي أن الله عصم أزواج نبيئه - صلى الله عليه وسلم - من ارتكاب الكبائر وزكى نفوسهن .
- والخطاب موجه إليهن وكذلك ما قبله وما بعده لا يخالط أحدا شك في ذلك ولم يفهم منها أصحاب النبي - عليه الصلاة والسلام - و التابعون إلا أن أزواج النبي - عليه الصلاة والسلام - هن المراد بذلك وأن النزول في شأنهن . وأهل البيت : أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم
وأما ما رواه الترمذي عن عن عطاء بن أبي رباح قال : عمر بن أبي سلمة إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا في بيت دعا أم سلمة فاطمة وحسنا ، وحسينا فجللهم بكساء وعلي خلف ظهره فجللهم بكساء ثم قال : اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا . وقال : هو حديث غريب من حديث لما نزلت على النبيء عطاء عن ولم يسمه عمر بن أبي سلمة الترمذي بصحة ولا حسن ووسمه بالغرابة . وفي صحيح مسلم عن عائشة فاطمة فأدخلها ثم جاء علي فأدخله ثم قال : إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا . وهذا أصرح من حديث خرج رسول الله غداة وعليه مرط مرحل فجاء الحسن فأدخله ثم جاء الحسين فأدخله ثم جاءت الترمذي .
فمحمله أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ألحق أهل الكساء بحكم هذه الآية وجعلهم أهل بيته كما ألحق المدينة بمكة في حكم الحرمية بقوله مكة وإني أحرم ما بين لابتيها . وتأول البيت على معنييه الحقيقي والمجازي يصدق ببيت النسب كما يقولون : فيهم البيت والعدد ، ويكون هذا من حمل القرآن على جميع محامله غير المتعارضة كما أشرنا إليه في المقدمة التاسعة . وكأن حكمة [ ص: 16 ] تجليلهم معه بالكساء تقوية استعارة البيت بالنسبة إليهم تقريبا لصورة البيت بقدر الإمكان في ذلك الوقت ; ليكون الكساء بمنزلة البيت ، ووجود النبي - صلى الله عليه وسلم - معهم في الكساء كما هو في حديث إن إبراهيم حرم مسلم تحقيق لكون ذلك الكساء منسوبا إليه ، وبهذا يتضح أن بصريح الآية وأن أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - هن آل بيته فاطمة وابنيها وزوجها مجعولون أهل بيته بدعائه أو بتأويل الآية على محاملها . ولذلك هم أهل بيته بدليل السنة ، وكل أولئك قد أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا : بعضه بالجعل الإلهي ، وبعضه بالجعل النبوي ، ومثله قول النبي - صلى الله عليه وسلم - . وقد استوعب سلمان منا أهل البيت ابن كثير روايات كثيرة من هذا الخبر مقتضية أن أهل البيت يشمل فاطمة وعليا ، وحسنا ، وحسينا . وليس فيها أن هذه الآية نزلت فيهم إلا حديثا واحدا نسبه ابن كثير إلى ولم يوجد في تفسيره عن الطبري ، أنها ذكر عندها أم سلمة فقالت : فيه نزلت علي بن أبي طالب إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا وذكرت خبر تجليله مع فاطمة وابنيه بكساء ( [1] ) .
وقد تلقف الشيعة حديث الكساء فغصبوا وصف أهل البيت وقصروه على فاطمة وزوجها وابنيهما - عليهم الرضوان - وزعموا أن . وهذه مصادمة للقرآن بجعل هذه الآية حشوا بين ما خوطب به أزواج النبيء - صلى الله عليه وسلم - . وليس في لفظ حديث الكساء ما يقتضي قصر هذا الوصف على أهل الكساء إذ ليس في قوله ( أزواج النبيء - صلى الله عليه وسلم - لسن من أهل البيت ) صيغة قصر وهو كقوله تعالى هؤلاء أهل بيتي إن هؤلاء ضيفي ليس معناه ليس لي ضيف غيرهم ، وهو يقتضي أن تكون هذه الآية مبتورة عما قبلها وما بعدها . ويظهر أن هذا التوهم من زمن عصر التابعين ، وأن منشأ قراءة هذه الآية على الألسن دون اتصال بينها وبين ما قبلها وما بعدها . ويدل لذلك ما رواه المفسرون عن عكرمة أنه قال : من شاء بأهلية أنها نزلت في أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وأنه قال أيضا : ليس بالذي تذهبون إليه إنما هو نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنه كان يصرخ بذلك في السوق . وحديث صريح في أن الآية نزلت قبل أن يدعو النبي الدعوة لأهل الكساء وأنها نزلت في بيت عمر بن أبي سلمة . أم سلمة
[ ص: 17 ] وأما ما وقع من قول أن عمر بن أبي سلمة قالت : أم سلمة . فقد وهم فيه وأنا معهم يا رسول الله ؟ . فقال : أنت على مكانك وأنت على خير الشيعة فظنوا أنه منعها من أن تكون من أهل بيته ، وهذه جهالة لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما أراد ما سألته من الحاصل ; لأن الآية نزلت فيها وفي ضرائرها فليست هي بحاجة إلى إلحاقها بهم ، فالدعاء لها بأن يذهب الله عنها الرجس ويطهرها دعاء بتحصيل أمر حصل وهو مناف بآداب الدعاء كما حرره شهاب الدين القرافي في ، فكان جواب النبي - صلى الله عليه وسلم - تعليما لها . وقد وقع في بعض الروايات أنه الفرق بين الدعاء المأذون فيه والدعاء الممنوع منه قال : ( إنك من أزواج النبي لأم سلمة ) . وهذا أوضح في المراد بقوله ( إنك على خير ) .
ولما استجاب الله دعاءه كان فاطمة وعلي وابنيهما ، فقد روى النبي - صلى الله عليه وسلم - يطلق أهل البيت على الترمذي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يمر بباب أنس بن مالك فاطمة ستة أشهر إذا خرج إلى صلاة الفجر يقول : الصلاة يا أهل البيت إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ، قال عن الترمذي : هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه .
واللام في قوله ليذهب لام جر تزاد للتأكيد غالبا بعد مادتي الإرادة والأمر ، وينتصب الفعل المضارع بعدها ( بأن ) مضمرة إضمارا واجبا ، ومنه قوله تعالى وأمرنا لنسلم لرب العالمين وقول كثير :
أريد لأنسى حبها فكأنما تمثل لي ليلى بكل مكان
وعن النحاس أن بعض القراء سماها ( لام أن ) وتقدم قوله تعالى يريد الله ليبين لكم في سورة النساء .وقوله أهل البيت نداء للمخاطبين من نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - مع حضرة النبي - عليه الصلاة والسلام - وقد شمل كل من ألحق النبي - صلى الله عليه وسلم - بهن بأنه من أهل البيت وهم : فاطمة وابناها وزوجها وسلمان لا يعدو هؤلاء .