وما آتيناهم من كتب يدرسونها وما أرسلنا إليهم قبلك من نذير الواو للحال ، والجملة في موضع الحال من الضمير في قوله قالوا ما هذا إلا رجل يريد أن يصدكم عما كان يعبد آباؤكم الآية ، [ ص: 228 ] تحميقا لجهالتهم وتعجيبا من حالهم في أمرين .
أحدهما : أنهم لم يدركوا ما ينالهم من المزية بمجيء الحق إليهم إذ هيأهم الله به لأن يكونوا في عداد الأمم ذوي الكتاب ، وفي بدء حال يبلغ بهم مبلغ العلم ، إذ هم لم يسبق لهم أن أتاهم كتاب من عند الله أو رسول منه ، فيكون معنى الآية فكيف رفضوا اتباع الرسول وتلقي القرآن وكان الأجدر بهم الاغتباط بذلك . وهذا المعنى هو المناسب لقوله يدرسونها أي لم يكونوا أهل دراسة ، فكان الشأن أن يسرهم ما جاءهم من الحق .
وثانيهما : أنهم لم يكونوا على هدى ولا دين منسوب إلى الله تعالى حتى يكون تمسكهم به وخشية الوقوع في الضلالة إن فرطوا فيه يحملهم على التردد في الحق الذي جاءهم وصدق الرسول الذي أتاهم به ، فيكون لهم في الصد عنهما بعض العذر : فيكون المعنى : التعجيب من رفضهم الحق حين لا مانع يصدهم ، فليس معنى جملة ( وما آتيناهم من كتب ) الخ على العطف ولا على الإخبار لأن مضمون ذلك معلوم لا يتعلق الغرض بالإخبار به . ولكن على الحال إفادة التعجيب والتحميق ، وعلى هذا المعنى جرى المفسرون .
والدراسة : القراءة بتمهل وتفهم ، وتقدم عند قوله تعالى وبما كنتم تدرسون في آل عمران .
وإنما لم يقيد إيتاء الكتب بقيد كما قيد الإرسال بقوله ( قبلك ) لأن الإيتاء هو التمكين من الشيء وهم لم يتمكنوا من القرآن بخلاف إرسال النذير فهو حاصل سواء تقبلوه أم أعرضوا عنه .
ومن نحا نحو أن يكون معنى الآية بين حالهم وحال أهل الكتاب فذلك منحى واهن ؛ لأنه يجر إلى معذرة أهل الكتاب في عضهم بالنواجذ على دينهم ، على أنه لم يكن في مدة نزول الوحي بمكة علاقة للدعوة الإسلامية بأهل الكتاب وإنما دعاهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة ، وأيضا لا يكون للتقييد بـ ( قبلك ) فائدة خاصة كما علمت . وهنالك تفسيرات أخرى أشد بعدا وأبعد عن القصد جدا .