و " ما " شرطية ، أي اسم فيه معنى الشرط . وأصلها اسم موصول ضمن معنى الشرط . فانقلبت صلته إلى جملة شرطية وانقلبت جملة الخبر جوابا واقترنت بالفاء لذلك ، فأصل " ما " الشرطية هو الموصولة . ومحل " ما " الابتداء وجواب الشرط أغنى من الخبر .
و " من رحمة " بيان لإبهام " ما " والرابط محذوف لأنه ضمير منصوب .
و " الفتح " : تمثيلية لإعطاء الرحمة إذ هي من النفائس التي تشبه المدخرات المتنافس فيها فكانت حالة إعطاء الله الرحمة شبيهة بحالة فتح الخزائن للعطاء ، فأشير إلى هذا التمثيل بفعل الفتح ، وبيانه بقوله " من رحمة " قرينة الاستعارة التمثيلية .
والإمساك حقيقته : أخذ الشيء باليد مع الشد عليه بها لئلا يسقط أو ينفلت ، وهو يتعدى بنفسه ، أو هو هنا مجاز عن الحبس والمنع ولذلك قوبل به الفتح .
وأما قولهم : أمسك بكذا ، فالباء إما لتوكيد لصوق المفعول بفعله كقوله تعالى ولا تمسكوا بعصم الكوافر ، وإما لتضمينه معنى الاعتصام كقوله تعالى فقد استمسك بالعروة الوثقى .
وقد أوهم الناس في القاموس واللسان والتاج أنه لا يتعدى بنفسه .
[ ص: 253 ] فقوله هنا وما يمسك حذف مفعوله لدلالة قوله ما يفتح الله للناس من رحمة عليه والتقدير : وما يمسكه من رحمة ، ولم يذكر له بيان استغناء ببيانه من فعل .
والإرسال : ضد الإمساك ، وتعدية الإرسال باللام للتقوية لأن العامل هنا فرع في العمل .
و من بعده بمعنى : من دونه كقوله تعالى فمن يهديه من بعد الله فبأي حديث بعد الله ، أي فلا مرسل له دون الله ، أي لا يقدر أحد على إبطال ما أراد الله من إعطاء أو منع " والله يحكم لا معقب لحكمه " . وتذكير الضمير في قوله فلا مرسل له مراعاة للفظ " ما " لأنها لا بيان لها ، وتأنيثه في قوله فلا ممسك لها لمراعاة بيان " ما " في قوله من رحمة لقربه .
وعطف وهو العزيز الحكيم تذييل رجح فيه جانب الإخبار فعطف ، وكان مقتضى الظاهر أن يكون مفصولا لإفادة أنه يفتح ويمسك لحكمة يعلمها ، وأنه لا يستطيع أحد نقض ما أبرمه في فتح الرحمة وغيره من تصرفاته لأن الله عزيز لا يمكن لغيره أن يغلبه ، فإن نقض ما أبرم ضرب من الهوان والمذلة . ولذلك كان من شعار صاحب السؤدد أنه يبرم وينقض قال الأعشى :
علقم ما أنت إلى عامر الناقض الأوتار والواتر
وضمير " لها " وضمير " له " عائدان إلى " ما " من قوله ما يفتح الله للناس من رحمة ، روعي في تأنيث أحد الضميرين معنى " ما " فإنه اسم صادق على " رحمة " وقد بين بها ، وروعي في تذكير الضمير الآخر لفظ " ما " لأنه لفظ لا علامة تأنيث فيه . وهما اعتباران كثيران في مثله في فصيح الكلام ، فالمتكلم بالخيار بين أي الاعتبارين شاء . والجمع بينهما في هذه الآية تفنن . وأوثر بالتأنيث ضمير " ما " لأنها مبينة بلفظ مؤنث وهو من رحمة .