الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى

استدلال عليهم بما في مظاهر السماوات من الدلائل على بديع صنع الله في أعظم المخلوقات ليتذكروا بذلك أنه الإله الواحد .

وتقدم الكلام على نظير هذه الآية في سورة لقمان ، سوى أن هذه الآية جاء فيها " كل يجري لأجل " فعدي فعل " يجري " باللام وجيء في آية سورة لقمان تعدية فعل " يجري " بحرف " إلى " ، فقيل اللام تكون بمعنى " إلى " في الدلالة على الانتهاء ، فالمخالفة بين الآيتين تفنن في النظم . وهذا أباه الزمخشري في سورة لقمان ورده أغلظ رد فقال : ليس ذلك من تعاقب الحرفين ، ولا يسلك هذه الطريقة إلا بليد الطبع ضيق العطن ، ولكن المعنيين أعني الانتهاء والاختصاص كل واحد منهما ملائم لصحة الغرض لأن قولك : يجري إلى أجل مسمى معناه يبلغه ، وقوله " يجري لأجل " تريد لإدراك أجل اهـ . وجعل اللام للاختصاص أي ويجري لأجل أجل ، أي لبلوغه واستيفائه ، والانتهاء والاختصاص كل منهما ملائم للغرض ، أي فمآل المعنيين واحد وإن كان طريقه مختلفا ، يعني فلا يعد الانتهاء معنى للام كما فعل ابن مالك وابن هشام ، وهو وإن كان يرمي إلى تحقيق الفرق بين معاني الحروف وهو ما نميل إليه إلا أننا لا نستطيع أن ننكر كثرة ورود اللام في مقام معنى الانتهاء كثرة جعلت استعارة حرف التخصيص لمعنى الانتهاء من الكثرة إلى مساويه للحقيقة ، اللهم إلا أن يكون الزمخشري يريد أن الأجل هنا هو أجل كل إنسان ، أي عمره وأن الأجل في سورة لقمان هو أجل بقاء هذا العالم .

وهو على الاعتبارين إدماج للتذكير في خلال الاستدلال ففي هذه الآية ذكرهم [ ص: 282 ] بأن لأعمارهم نهاية تذكيرا مرادا به الإنذار والوعيد على نحو قوله تعالى في سورة الأنعام " ثم يبعثكم فيه ليقضى أجل مسمى ، واقتلاع الطغيان والكبرياء من نفوسهم .

ويريد ذلك أن معظم الخطاب في هذه الآية موجه إلى المشركين ، ألا ترى إلى قوله بعدها " والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير " وفي سورة لقمان الخطاب للرسول - صلى الله عليه وسلم - أو عام لكل مخاطب من مؤمن وكافر ، فكان إدماج التذكير فيه بأن لهذا العالم انتهاء أنسب بالجميع ليستعد له الذين آمنوا وليرغم الذين كفروا على العلم بوجود البعث لأن نهاية هذا العالم ابتداء لعالم آخر .

التالي السابق


الخدمات العلمية