والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها كذلك نجزي كل كفور
مقابلة الأقسام الثلاثة للذين أورثوا الكتاب بذكر الكافرين يزيدنا يقينا بأن تلك الأقسام أقسام المؤمنين ، ومقابلة جزاء الكافرين بنار جهنم يوضح أن الجنة دار للأقسام الثلاثة على تفاوت في الزمان والمكان .
وفي قوله تعالى في الكفار ولا يخفف عنهم من عذابها إيماء إلى أن نار عقاب المؤمنين خفية عن نار المشركين .
فجملة والذين كفروا معطوفة على جملة جنات عدن يدخلونها .
ووقع الإخبار عن نار جهنم بأنها " لهم " بلام الاستحقاق للدلالة على أنها أعدت لجزاء أعمالهم كقوله تعالى فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين في سورة البقرة وقوله واتقوا النار التي أعدت للكافرين في سورة آل عمران ، فنار عقاب عصاة المؤمنين نار مخالفة أو أنها أعدت للكافرين .
وإنما دخل فيها من أدخل من المؤمنين الذين ظلموا أنفسهم لاقترافهم الأعمال السيئة التي شأنها أن تكون للكافرين .
وقدم المجرور في لهم نار جهنم على المسند إليه حتى إذا سمعه السامعون تمكن من نفوسهم تمام التمكن .
وجملة لا يقضى عليهم بدل اشتمال من جملة لهم نار جهنم ، والقضاء : حقيقته الحكم ، ومنه قضاء الله حكمه وما أوجده في مخلوقاته . وقد يستعمل بمعنى أماته كقوله تعالى فوكزه موسى فقضى عليه ، وهو هنا محتمل [ ص: 318 ] للحقيقة ، أي لا يقدر الله موتهم ، فقوله فيموتوا مسبب على القضاء . والمعنى : لا يقضى عليهم بالموت فيموتوا ، ومحتمل للمجاز وهو الموت . وتفريع فيموتوا على هذا الوجه أنهم لا يموتون إلا الإماتة التي يتسبب عليها الموت الحقيقي الذي يزول عنده الإحساس ، فيفيد أنهم يموتون موتا ليس فيه من الموت إلا آلامه دون راحته ، قال تعالى ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون وقال تعالى كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب .
وضمير " عذابها " عائد إلى جهنم ليشمل ما ورد من أن المعذبين يعذبون بالنار ويعذبون بالزمهرير وهو شدة البرد وكل ذلك من عذاب جهنم .
ووقع كذلك موقع المفعول المطلق لقوله " نجزي " أي نجزيهم جزاء كذلك الجزاء ، وتقدم عند قوله تعالى وكذلك جعلناكم أمة وسطا في سورة البقرة .
وجملة كذلك نجزي كل كفور تذييل . والكفور : الشديد الكفر ، وهو المشرك .
وقرأ الجمهور " نجزي " بنون العظمة ونصب " كل " ، وقرأه أبو عمرو وحده " يجزى " بياء الغائب والبناء للنائب ورفع " كل " .