وعجبوا أن جاءهم منذر منهم عطف على جملة الذين كفروا في عزة وشقاق فهو من الكلام الواقع الإضراب للانتقال إليه كما وقع في قوله تعالى ق والقرآن المجيد بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم .
والمعنى : أنه استقر في نفوسهم استحالة بعثة رسول منهم فذلك سبب آخر لانصرافهم عن التذكر بالقرآن .
والعجب حقيقته : انفعال في النفس ينشأ عن علم بأمر غير مترقب وقوعه عند النفس ، ويطلق على إنكار شيء نادر على سبيل المجاز بعلاقة اللزوم كما في قوله تعالى قالوا أتعجبين من أمر الله في سورة هود ، فإن محل العتاب هو كون امرأة إبراهيم أحالت أن تلد وهي عجوز ، وكذلك إطلاقه هنا . والمعنى : وأنكروا وأحالوا أن جاءهم منذر منهم .
[ ص: 209 ] والمنذر : الرسول ، أي منذر لهم بعذاب على أفعال هم متلبسون بها .
وعبر عن الرسول صلى الله عليه وسلم بوصف المنذر : ووصف بأنه منهم للإشارة إلى سوء نظرهم من عجبهم ؛ لأن شأن النذير أن يكون من القوم ممن ينصح لهم ، فكونه منهم أولى من أن يكون من غيرهم .
ثم إن كان التبعيض المستفاد من حرف ( من ) مرادا به أنه بعض العرب أو بعض قريش فأمر تجهيلهم في عجبهم من هذا النذير بين ، وإن كان مرادا به أنه بعض البشر وهو الظاهر فتجهيلهم لأن من كان من جنسهم أجدر بأن ينصح لهم من رسول من جنس آخر كالملائكة ، وهذه جدارة عرفية .
وهذا العجب تكرر تصريحهم به غير مرة فهو مستقر في قرارة نفوسهم ، وهو الأصل الداعي لهم إلى الإعراض عن تصديقه فلذلك ابتدئت به حكاية أقوالهم التي قالوها في مجلس شيخ الأباطح كما تقدم في ذكر سبب النزول .