nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=28nindex.php?page=treesubj&link=29011_31913وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم وإن يك كاذبا فعليه كذبه وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب .
عطف قول هذا الرجل يقتضي أنه قال قوله هذا في غير مجلس شورى
[ ص: 128 ] فرعون ، لأنه لو كان قوله جاريا مجرى المحاورة مع
فرعون في مجلس استشارته ، أو كان أجاب به عن قول
فرعون ذروني أقتل
موسى لكانت حكاية قوله بدون عطف على طريقة المحاورات .
والذي يظهر أن الله ألهم هذا الرجل بأن يقول مقالته إلهاما كان أول مظهر من تحقيق الله لاستعاذة
موسى بالله ، فلما شاع توعد
فرعون بقتل
موسى عليه السلام جاء هذا الرجل إلى
فرعون ناصحا ولم يكن يتهمه
فرعون لأنه كان من آله .
وخطابه بقوله ( أتقتلون ) موجه إلى
فرعون لأن
فرعون هو الذي يسند إليه القتل لأنه الآمر به ، ولحكاية كلام
فرعون عقب كلام مؤمن آل
فرعون بدون عطف بالواو في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=29قال فرعون ما أريكم إلا ما أرى .
ووصفه بأنه من آل
فرعون صريح في أنه من القبط ولم يكن من
بني إسرائيل خلافا لبعض المفسرين ، ألا ترى إلى قوله تعالى بعده
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=29يا قوم لكم الملك اليوم ظاهرين في الأرض فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا فإن
بني إسرائيل لم يكن لهم ملك هنالك .
والأظهر أنه كان من قرابة
فرعون وخاصته لما يقتضيه لفظ ( آل ) من ذلك حقيقة أو مجازا .
والمراد أنه مؤمن بالله ومؤمن بصدق
موسى ، وما كان إيمانه هذا إلا لأنه كان رجلا صالحا اهتدى إلى توحيد الله إما بالنظر في الأدلة فصدق
موسى عندما سمع دعوته كما اهتدى
nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - إلى تصديق النبيء صلى الله عليه وسلم في حين سماع دعوته فقال له " صدقت " .
وكان كتمه الإيمان متجددا مستمرا تقية من
فرعون وقومه إذ علم أن إظهاره الإيمان يضره ولا ينفع غيره كما كان
سقراط يكتم إيمانه بالله في بلاد
اليونان خشية أن يقتلوه انتصارا لآلهتهم .
وأراد بقوله ( أتقتلون رجلا ) إلى آخره أن يسعى لحفظ
موسى من القتل بفتح باب المجادلة في شأنه لتشكيك
فرعون في تكذيبه
بموسى ، وهذا الرجل هو غير
[ ص: 129 ] الرجل المذكور في سورة القصص في قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=20وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى فإن تلك القصة كانت قبيل خروج
موسى من
مصر ، وهذه القصة في مبدأ دخوله
مصر .
ولم يوصف هنالك بأنه مؤمن ولا بأنه من آل
فرعون بل كان من
بني إسرائيل كما هو صريح سفر الخروج . والظاهر أن الرجل المذكور هنا كان رجلا صالحا نظارا في أدلة التوحيد ولم يستقر الإيمان في قلبه على وجهه إلا بعد أن سمع دعوة
موسى ، وإن الله يقيض لعباده الصالحين حماة عند الشدائد .
قيل اسم هذا الرجل
حبيب النجار وقيل
سمعان ، وقد تقدم في سورة يس أن
حبيبا النجار من رسل
عيسى عليه السلام .
وقصة هذا الرجل المؤمن من آل
فرعون غير مذكورة في التوراة بالصريح ولكنها مذكورة إجمالا في الفقرة السابعة من الإصحاح العاشر فقال عبيد
فرعون إلى متى يكون لنا هذا أي
موسى فخا أطلق الرجال ليعبدوا الرب إلههم .
والاستفهام في ( أتقتلون ) استفهام إنكار ، أي يقبح بكم أن تقتلوا نفسا لأنه يقول : ربي الله ، أي ولم يجبركم على أن تؤمنوا به ولكنه قال لكم قولا فاقبلوه أو ارفضوه ، فهذا محمل قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=28أن يقول ربي الله وهو الذي يمكن الجمع بينه وبين كون هذا الرجل يكتم إيمانه .
و ( أن يقول ) مجرور بلام التعليل المقدرة لأنها تحذف مع ( أن ) كثيرا .
وذكر اسم الله لأنه الذي ذكره
موسى ولم يكن من أسماء آلهة القبط .
وأما قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=28وقد جاءكم بالبينات من ربكم فهو ارتقاء في الحجاج بعد أن استأنس في خطاب قومه بالكلام الموجه فارتقى إلى التصريح بتصديق
موسى بعلة أنه قد جاء بالبينات ، أي الحجج الواضحة بصدقه ، وإلى التصريح بأن الذي سماه الله في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=28أن يقول ربي الله هو رب المخاطبين فقال من ربكم .
فجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=28وقد جاءكم بالبينات من ربكم في موضع الحال من قوله ( رجلا ) ، والباء في ( بالبينات ) للمصاحبة .
[ ص: 130 ] وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=28وإن يك كاذبا فعليه كذبه رجوع إلى ضرب من إيهام الشك في صدق
موسى ليكون كلامه مشتملا على احتمالي تصديق وتكذيب يتداولهما في كلامه فلا يؤخذ عليه أنه مصدق
لموسى بل يخيل إليهم أنه في حالة نظر وتأمل ليسوق
فرعون وملأه إلى أدلة صدق
موسى بوجه لا يثير نفورهم ، فالجملة عطف على جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=28وقد جاءكم بالبينات فتكون حالا .
وقدم احتمال كذبه على احتمال صدقه زيادة في التباعد عن ظنهم به الانتصار
لموسى فأراد أن يظهر في مظهر المهتم بأمر قومه ابتداء .
ومعنى
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=28وإن يك كاذبا فعليه كذبه استنزالهم للنظر ، أي فعليكم بالنظر في آياته ولا تعجلوا بقتله ولا باتباعه فإن تبين لكم كذبه فيما تحداكم به وما أنذركم به من مصائب فلم يقع شيء من ذلك لم يضركم ذلك شيئا وعاد كذبه عليه بأن يوسم بالكاذب ، وإن تبين لكم صدقه يصبكم بعض ما توعدكم به ، أي تصبكم بوارقه فتعلموا صدقه فتتبعوه ، وهذا وجه التعبير ب ( بعض ) دون أن يقول : يصبكم الذي يعدكم به . والمراد بالوعد هنا الوعد بالسوء وهو المسمى بالوعيد . أي فإن استمررتم على العناد يصبكم جميع ما توعدكم به بطريق الأولى .
وقد شابه مقام
nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر الصديق مقام مؤمن آل
فرعون إذ آمن بالنبيء صلى الله عليه وسلم حين سمع دعوته ولم يكن من آله ، ويوم جاء
عقبة بن أبي معيط إلى النبيء صلى الله عليه وسلم والنبيء صلى الله عليه وسلم
بفناء الكعبة يخنقه بثوبه فأقبل
أبو بكر فأخذ بمنكب
عقبة ودفعه وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=28أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم . قال
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب والله ليوم
أبي بكر خير من مؤمن آل
فرعون ، إن مؤمن آل
فرعون رجل يكتم إيمانه وإن
أبا بكر كان يظهر إيمانه وبذل ماله ودمه وأقول : كان
أبو بكر أقوى يقينا من مؤمن آل
فرعون لأن مؤمن آل
فرعون كتم إيمانه
وأبو بكر أظهر إيمانه .
وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=28إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب يجوز أنها من قول مؤمن آل
فرعون ، فالمقصود منها تعليل قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=28وإن يك كاذبا فعليه كذبه وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم أي لأن الله لا يقره على كذبه فإن كان كاذبا على
[ ص: 131 ] الله فلا يلبث أن يفتضح أمره أو يهلكه ، كما قال تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=44ولو تقول علينا بعض الأقاويل nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=45لأخذنا منه باليمين nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=46ثم لقطعنا منه الوتين لأن الله لا يمهل الكاذب عليه ، ولأنه إذا جاءكم بخوارق العادات فقد تبين صدقه لأن الله لا يخرق العادة بعد تحدي المتحدي بها إلا ليجعلها أمارة على أنه مرسل منه لأن تصديق الكاذب محال على الله تعالى .
ومعنى
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=28يصبكم بعض الذي يعدكم أي مما توعدكم بوقوعه في الدنيا ، أو في الآخرة وكيف إذا كانت البينة نفسها مصائب تحل بهم مثل الطوفان والجراد وبقية التسع الآيات .
والمسرف : متجاوز المعروف في شيء ، فالمراد هنا مسرف في الكذب لأن
nindex.php?page=treesubj&link=29706_18984أعظم الكذب أن يكون على الله ، قال تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=93ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء .
وإذا كان المراد الإسراف في الكذب تعين أن قوله ( كذاب ) عطف بيان وليس خبرا ثانيا إذ ليس ثمة إسراف هنا غير إسراف الكذب ، وفي هذا اعتراف من هذا المؤمن بالله الذي أنكره
فرعون ، رماه بين ظهرانيهم .
ويجوز أن تكون جملة (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=28إن الله لا يهدي ) إلى آخرها جملة معترضة بين كلامي مؤمن آل
فرعون ليست من حكاية كلامه وإنما هي قول من جانب الله في قرآنه يقصد منها تزكية هذا الرجل المؤمن إذ هداه الله للحق ، وأنه تقي صادق ، فيكون نفي الهداية عن المسرف الكذاب كناية عن تقوى هذا الرجل وصدقه لأنه نطق عن هدى والله لا يعطي الهدى من هو مسرف كذاب .
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=28nindex.php?page=treesubj&link=29011_31913وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ .
عَطْفُ قَوْلِ هَذَا الرَّجُلِ يَقْتَضِي أَنَّهُ قَالَ قَوْلَهُ هَذَا فِي غَيْرِ مَجْلِسِ شُورَى
[ ص: 128 ] فِرْعَوْنَ ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ قَوْلُهُ جَارِيًا مَجْرَى الْمُحَاوَرَةِ مَعَ
فِرْعَوْنَ فِي مَجْلِسِ اسْتِشَارَتِهِ ، أَوْ كَانَ أَجَابَ بِهِ عَنْ قَوْلِ
فِرْعَوْنَ ذَرُونِي أَقْتُلْ
مُوسَى لَكَانَتْ حِكَايَةُ قَوْلِهِ بِدُونِ عَطْفٍ عَلَى طَرِيقَةِ الْمُحَاوَرَاتِ .
وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ اللَّهَ أَلْهَمَ هَذَا الرَّجُلَ بِأَنْ يَقُولَ مَقَالَتَهُ إِلْهَامًا كَانَ أَوَّلَ مَظْهَرٍ مِنْ تَحْقِيقِ اللَّهِ لِاسْتِعَاذَةِ
مُوسَى بِاللَّهِ ، فَلَمَّا شَاعَ تَوَعُّدُ
فِرْعَوْنَ بِقَتْلِ
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ جَاءَ هَذَا الرَّجُلُ إِلَى
فِرْعَوْنَ نَاصِحًا وَلَمْ يَكُنْ يَتَّهِمُهُ
فِرْعَوْنُ لِأَنَّهُ كَانَ مِنْ آلِهِ .
وَخِطَابُهُ بِقَوْلِهِ ( أَتَقْتُلُونَ ) مُوَجَّهٌ إِلَى
فِرْعَوْنَ لِأَنَّ
فِرْعَوْنَ هُوَ الَّذِي يُسْنَدُ إِلَيْهِ الْقَتْلُ لِأَنَّهُ الْآمِرُ بِهِ ، وَلِحِكَايَةِ كَلَامِ
فِرْعَوْنَ عَقِبَ كَلَامِ مُؤْمِنِ آلِ
فِرْعَوْنَ بِدُونِ عَطْفٍ بِالْوَاوِ فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=29قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى .
وَوَصْفُهُ بِأَنَّهُ مِنْ آلِ
فِرْعَوْنَ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ مِنَ الْقِبْطِ وَلَمْ يَكُنْ مِنْ
بَنِي إِسْرَائِيلَ خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُفَسِّرِينَ ، أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى بَعْدَهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=29يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا فَإِنَّ
بَنِي إِسْرَائِيلَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مُلْكٌ هُنَالِكَ .
وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ كَانَ مِنْ قَرَابَةِ
فِرْعَوْنَ وَخَاصَّتِهِ لِمَا يَقْتَضِيهِ لَفْظُ ( آلِ ) مِنْ ذَلِكَ حَقِيقَةً أَوْ مَجَازًا .
وَالْمُرَادُ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ بِاللَّهِ وَمُؤْمِنٌ بِصِدْقِ
مُوسَى ، وَمَا كَانَ إِيمَانُهُ هَذَا إِلَّا لِأَنَّهُ كَانَ رَجُلًا صَالِحًا اهْتَدَى إِلَى تَوْحِيدِ اللَّهِ إِمَّا بِالنَّظَرِ فِي الْأَدِلَّةِ فَصَدَّقَ
مُوسَى عِنْدَمَا سَمِعَ دَعْوَتَهُ كَمَا اهْتَدَى
nindex.php?page=showalam&ids=1أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إِلَى تَصْدِيقِ النَّبِيءِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حِينِ سَمَاعِ دَعْوَتِهِ فَقَالَ لَهُ " صَدَقْتَ " .
وَكَانَ كَتْمُهُ الْإِيمَانَ مُتَجَدِّدًا مُسْتَمِرًّا تَقِيَّةً مِنْ
فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِذْ عَلِمَ أَنَّ إِظْهَارَهُ الْإِيمَانَ يَضُرُّهُ وَلَا يَنْفَعُ غَيْرَهُ كَمَا كَانَ
سُقْرَاطُ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ بِاللَّهِ فِي بِلَادِ
الْيُونَانِ خَشْيَةَ أَنْ يَقْتُلُوهُ انْتِصَارًا لِآلِهَتِهِمْ .
وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ ( أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا ) إِلَى آخِرِهِ أَنْ يَسْعَى لِحِفْظِ
مُوسَى مِنَ الْقَتْلِ بِفَتْحِ بَابِ الْمُجَادَلَةِ فِي شَأْنِهِ لِتَشْكِيكِ
فِرْعَوْنَ فِي تَكْذِيبِهِ
بِمُوسَى ، وَهَذَا الرَّجُلُ هُوَ غَيْرُ
[ ص: 129 ] الرَّجُلِ الْمَذْكُورِ فِي سُورَةِ الْقَصَصِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=20وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى فَإِنَّ تِلْكَ الْقِصَّةَ كَانَتْ قُبَيْلَ خُرُوجِ
مُوسَى مِنْ
مِصْرَ ، وَهَذِهِ الْقِصَّةُ فِي مَبْدَأِ دُخُولِهِ
مِصْرَ .
وَلَمْ يُوصَفْ هُنَالِكَ بِأَنَّهُ مُؤْمِنٌ وَلَا بِأَنَّهُ مِنْ آلِ
فِرْعَوْنَ بَلْ كَانَ مِنْ
بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمَا هُوَ صَرِيحُ سِفْرِ الْخُرُوجِ . وَالظَّاهِرُ أَنَّ الرَّجُلَ الْمَذْكُورَ هُنَا كَانَ رَجُلًا صَالِحًا نَظَّارًا فِي أَدِلَّةِ التَّوْحِيدِ وَلَمْ يَسْتَقِرَّ الْإِيمَانُ فِي قَلْبِهِ عَلَى وَجْهِهِ إِلَّا بَعْدَ أَنْ سَمِعَ دَعْوَةَ
مُوسَى ، وَإِنَّ اللَّهَ يُقَيِّضُ لِعِبَادِهِ الصَّالِحِينَ حُمَاةً عِنْدَ الشَّدَائِدِ .
قِيلَ اسْمُ هَذَا الرَّجُلِ
حَبِيبٌ النَّجَّارُ وَقِيلَ
سَمْعَانُ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ يس أَنَّ
حَبِيبًا النَّجَّارَ مِنْ رُسُلِ
عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ .
وَقِصَّةُ هَذَا الرَّجُلِ الْمُؤْمِنِ مِنْ آلِ
فِرْعَوْنَ غَيْرُ مَذْكُورَةٍ فِي التَّوْرَاةِ بِالصَّرِيحِ وَلَكِنَّهَا مَذْكُورَةٌ إِجْمَالًا فِي الْفِقْرَةِ السَّابِعَةِ مِنَ الْإِصْحَاحِ الْعَاشِرِ فَقَالَ عَبِيدُ
فِرْعَوْنَ إِلَى مَتَى يَكُونُ لَنَا هَذَا أَيْ
مُوسَى فَخًّا أَطْلِقِ الرِّجَالَ لِيَعْبُدُوا الرَّبَّ إِلَهَهُمْ .
وَالِاسْتِفْهَامُ فِي ( أَتَقْتُلُونَ ) اسْتِفْهَامُ إِنْكَارٍ ، أَيْ يَقْبُحُ بِكُمْ أَنْ تَقْتُلُوا نَفْسًا لِأَنَّهُ يَقُولُ : رَبِّيَ اللَّهُ ، أَيْ وَلَمْ يَجْبِرْكُمْ عَلَى أَنْ تُؤْمِنُوا بِهِ وَلَكِنَّهُ قَالَ لَكُمْ قَوْلًا فَاقْبَلُوهُ أَوِ ارْفُضُوهُ ، فَهَذَا مَحْمَلُ قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=28أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَهُوَ الَّذِي يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ كَوْنِ هَذَا الرَّجُلِ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ .
وَ ( أَنْ يَقُولَ ) مَجْرُورٌ بِلَامِ التَّعْلِيلِ الْمُقَدَّرَةِ لِأَنَّهَا تُحْذَفُ مَعَ ( أَنْ ) كَثِيرًا .
وَذِكْرُ اسْمِ اللَّهِ لِأَنَّهُ الَّذِي ذَكَرَهُ
مُوسَى وَلَمْ يَكُنْ مِنْ أَسْمَاءِ آلِهَةِ الْقِبْطِ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=28وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ فَهُوَ ارْتِقَاءٌ فِي الْحِجَاجِ بَعْدَ أَنِ اسْتَأْنَسَ فِي خِطَابِ قَوْمِهِ بِالْكَلَامِ الْمُوَجَّهِ فَارْتَقَى إِلَى التَّصْرِيحِ بِتَصْدِيقِ
مُوسَى بِعِلَّةِ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ بِالْبَيِّنَاتِ ، أَيِ الْحُجَجِ الْوَاضِحَةِ بِصِدْقِهِ ، وَإِلَى التَّصْرِيحِ بِأَنَّ الَّذِي سَمَّاهُ اللَّهُ فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=28أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ هُوَ رَبُّ الْمُخَاطَبِينَ فَقَالَ مِنْ رَبِّكُمْ .
فَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=28وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ قَوْلِهِ ( رَجُلًا ) ، وَالْبَاءُ فِي ( بِالْبَيِّنَاتِ ) لِلْمُصَاحَبَةِ .
[ ص: 130 ] وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=28وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ رُجُوعٌ إِلَى ضَرْبٍ مِنْ إِيهَامِ الشَّكِّ فِي صِدْقِ
مُوسَى لِيَكُونَ كَلَامُهُ مُشْتَمِلًا عَلَى احْتِمَالَيْ تَصْدِيقٍ وَتَكْذِيبٍ يَتَدَاوَلُهُمَا فِي كَلَامِهِ فَلَا يُؤْخَذُ عَلَيْهِ أَنَّهُ مُصَدِّقٌ
لِمُوسَى بَلْ يُخَيِّلُ إِلَيْهِمْ أَنَّهُ فِي حَالَةِ نَظَرٍ وَتَأَمُّلٍ لِيَسُوقَ
فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ إِلَى أَدِلَّةِ صِدْقِ
مُوسَى بِوَجْهٍ لَا يُثِيرُ نُفُورَهُمْ ، فَالْجُمْلَةُ عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=28وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَتَكُونُ حَالًا .
وَقَدَّمَ احْتِمَالَ كَذِبِهِ عَلَى احْتِمَالِ صِدْقِهِ زِيَادَةً فِي التَّبَاعُدِ عَنْ ظَنِّهِمْ بِهِ الِانْتِصَارَ
لِمُوسَى فَأَرَادَ أَنْ يُظْهِرَ فِي مَظْهَرِ الْمُهْتَمِّ بِأَمْرِ قَوْمِهِ ابْتِدَاءً .
وَمَعْنَى
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=28وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ اسْتِنْزَالُهُمْ لِلنَّظَرِ ، أَيْ فَعَلَيْكُمْ بِالنَّظَرِ فِي آيَاتِهِ وَلَا تَعْجَلُوا بِقَتْلِهِ وَلَا بِاتِّبَاعِهِ فَإِنْ تَبَيَّنَ لَكُمْ كَذِبُهُ فِيمَا تَحَدَّاكُمْ بِهِ وَمَا أَنْذَرَكُمْ بِهِ مِنْ مَصَائِبَ فَلَمْ يَقَعْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَضُرَّكُمْ ذَلِكَ شَيْئًا وَعَادَ كَذِبُهُ عَلَيْهِ بِأَنْ يُوسَمَ بِالْكَاذِبِ ، وَإِنْ تَبَيَّنَ لَكُمْ صِدْقُهُ يُصِبْكُمْ بَعْضُ مَا تَوَعَّدَكُمْ بِهِ ، أَيْ تُصِبْكُمْ بَوَارِقُهُ فَتَعْلَمُوا صِدْقَهُ فَتَتَّبِعُوهُ ، وَهَذَا وَجْهُ التَّعْبِيرِ بِ ( بَعْضُ ) دُونَ أَنْ يَقُولَ : يُصِبْكُمُ الَّذِي يَعِدُكُمْ بِهِ . وَالْمُرَادُ بِالْوَعْدِ هُنَا الْوَعْدُ بِالسُّوءِ وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْوَعِيدِ . أَيْ فَإِنِ اسْتَمْرَرْتُمْ عَلَى الْعِنَادِ يُصِبْكُمْ جَمِيعُ مَا تَوَعَّدَكُمْ بِهِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى .
وَقَدْ شَابَهَ مَقَامُ
nindex.php?page=showalam&ids=1أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ مَقَامَ مُؤْمِنِ آلِ
فِرْعَوْنَ إِذْ آمَنَ بِالنَّبِيءِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ سَمِعَ دَعْوَتَهُ وَلَمْ يَكُنْ مِنْ آلِهِ ، وَيَوْمَ جَاءَ
عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ إِلَى النَّبِيءِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّبِيءُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
بِفِنَاءِ الْكَعْبَةِ يَخْنُقُهُ بِثَوْبِهِ فَأَقْبَلَ
أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ بِمَنْكِبِ
عَقَبِةِ وَدَفَعَهُ وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=28أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَاللَّهِ لَيَوْمُ
أَبِي بَكْرٍ خَيْرٌ مِنْ مُؤْمِنِ آلِ
فِرْعَوْنَ ، إِنَّ مُؤْمِنَ آلِ
فِرْعَوْنَ رَجُلٌ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ وَإِنَّ
أَبَا بَكْرٍ كَانَ يُظْهِرُ إِيمَانَهُ وَبَذَلَ مَالَهُ وَدَمَهُ وَأَقُولُ : كَانَ
أَبُو بَكْرٍ أَقْوَى يَقِينًا مِنْ مُؤْمِنِ آلِ
فِرْعَوْنَ لِأَنَّ مُؤْمِنَ آلِ
فِرْعَوْنَ كَتَمَ إِيمَانَهُ
وَأَبُو بَكْرٍ أَظْهَرَ إِيمَانَهُ .
وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=28إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ يَجُوزُ أَنَّهَا مِنْ قَوْلِ مُؤْمِنِ آلِ
فِرْعَوْنَ ، فَالْمَقْصُودُ مِنْهَا تَعْلِيلُ قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=28وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ أَيْ لِأَنَّ اللَّهَ لَا يُقِرُّهُ عَلَى كَذِبِهِ فَإِنْ كَانَ كَاذِبًا عَلَى
[ ص: 131 ] اللَّهِ فَلَا يَلْبَثُ أَنْ يَفْتَضِحَ أَمْرُهُ أَوْ يُهْلِكَهُ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=44وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=45لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=46ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ لِأَنَّ اللَّهَ لَا يُمْهِلُ الْكَاذِبَ عَلَيْهِ ، وَلِأَنَّهُ إِذَا جَاءَكُمْ بِخَوَارِقِ الْعَادَاتِ فَقَدْ تَبَيَّنَ صِدْقُهُ لِأَنَّ اللَّهَ لَا يَخْرُقُ الْعَادَةَ بَعْدَ تَحَدِّي الْمُتَحَدِّي بِهَا إِلَّا لِيَجْعَلَهَا أَمَارَةً عَلَى أَنَّهُ مُرْسَلٌ مِنْهُ لِأَنَّ تَصْدِيقَ الْكَاذِبِ مُحَالٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى .
وَمَعْنَى
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=28يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ أَيْ مِمَّا تَوَعَّدَكُمْ بِوُقُوعِهِ فِي الدُّنْيَا ، أَوْ فِي الْآخِرَةِ وَكَيْفَ إِذَا كَانَتِ الْبَيِّنَةُ نَفْسُهَا مَصَائِبَ تَحُلُّ بِهِمْ مِثْلَ الطُّوفَانِ وَالْجَرَادِ وَبَقِيَّةِ التِّسْعِ الْآيَاتِ .
وَالْمُسْرِفُ : مُتَجَاوِزُ الْمَعْرُوفِ فِي شَيْءٍ ، فَالْمُرَادُ هُنَا مُسْرِفٌ فِي الْكَذِبِ لِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29706_18984أَعْظَمَ الْكَذِبِ أَنْ يَكُونَ عَلَى اللَّهِ ، قَالَ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=93وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ .
وَإِذَا كَانَ الْمُرَادُ الْإِسْرَافُ فِي الْكَذِبِ تَعَيَّنَ أَنَّ قَوْلَهُ ( كَذَّابٌ ) عَطْفُ بَيَانٍ وَلَيْسَ خَبَرًا ثَانِيًا إِذْ لَيْسَ ثَمَّةَ إِسْرَافٌ هُنَا غَيْرُ إِسْرَافِ الْكَذِبِ ، وَفِي هَذَا اعْتِرَافٌ مِنْ هَذَا الْمُؤْمِنِ بِاللَّهِ الَّذِي أَنْكَرَهُ
فِرْعَوْنُ ، رَمَاهُ بَيْنَ ظَهْرَانِيهِمْ .
وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ جُمْلَةُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=28إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي ) إِلَى آخِرِهَا جُمْلَةً مُعْتَرِضَةً بَيْنَ كَلَامَيْ مُؤْمِنِ آلِ
فِرْعَوْنَ لَيْسَتْ مِنْ حِكَايَةِ كَلَامِهِ وَإِنَّمَا هِيَ قَوْلٌ مِنْ جَانِبِ اللَّهِ فِي قُرْآنِهِ يُقْصَدُ مِنْهَا تَزْكِيَةُ هَذَا الرَّجُلِ الْمُؤْمِنِ إِذْ هَدَاهُ اللَّهُ لِلْحَقِّ ، وَأَنَّهُ تَقِيٌّ صَادِقٌ ، فَيَكُونُ نَفْيُ الْهِدَايَةِ عَنِ الْمُسْرِفِ الْكَذَّابِ كِنَايَةً عَنْ تَقْوَى هَذَا الرَّجُلِ وَصِدْقِهِ لِأَنَّهُ نَطَقَ عَنْ هُدًى وَاللَّهُ لَا يُعْطِي الْهُدَى مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ .