وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم كافرون .
يجوز أن يكون من جملة القول الذي أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يقوله فهو معطوف على جملة وعيد للمشركين بسوء الحال والشقاء في الآخرة إنما أنا بشر .
ويجوز أن يكون كلاما معترضا من جانب الله تعالى فتكون الواو اعتراضية بين جملة قل إنما أنا بشر وجملة قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض أي أجبهم بقولك : أنا بشر مثلكم يوحى إلي ونحن أعتدنا لهم الويل والشقاء إن لم يقبلوا ما تدعوهم إليه ، فيكون هذا إخبارا من الله تعالى .
وذكر المشركين إظهار في مقام الإضمار ويستفاد تعليق الوعيد على استمرارهم على الكفر من الإخبار عن الويل بكونه ثابتا للمشركين والموصوفين بالذين لا يؤتون الزكاة وبأنهم كافرون بالبعث ؛ لأن تعليق الحكم بالمشتق يؤذن بعلية ما منه الاشتقاق ، ولأن الموصول يؤذن بالإيماء إلى وجه بناء الخبر .
فأما كون الشرك وإنكار البعث موجبين للويل فظاهر ، وأما كون عدم إيتاء الزكاة موجبا للويل فذلك لأنه حمل عليهم ما قارن الإشراك وإنكار البعث من عدم الانتفاع بالأعمال التي جاء بها الإسلام ، فذكر ذلك هنا لتشويه كفرهم وتفظيع شركهم وكفرانهم بالبعث بأنهما يدعوانهم إلى منع الزكاة ، أي إلى القسوة على الفقراء الضعفاء وإلى الشح بالمال وكفى بذلك تشويها في حكم الأخلاق وحكم العرف فيهم ؛ لأنهم يتعيرون باللؤم ، ولكنهم يبذلون المال في غير وجهه ويحرمون منه مستحقيه .
[ ص: 240 ] ويعلم من هذا أن مانع الزكاة من المسلمين له حظ من الويل الذي استحقه المشركون لمنعهم الزكاة في ضمن شركهم ، ولذلك رأى أبو بكر قتال مانعي الزكاة ممن لم يرتدوا عن الإسلام ومنعوا الزكاة مع المرتدين ، ووافقه جميع أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
فالزكاة في الآية هي الصدقة لوقوعها مفعول يؤتون ، ولم تكن يومئذ زكاة مفروضة في الإسلام غير الصدقة دون تعيين نصب ولا أصناف الأرزاق المزكاة ، وكانت الصدقة مفروضة على الجملة ، ولبعض الصدقة ميقات وهي الصدقة قبل مناجاة الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال تعالى يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة .
وجملة وهم بالآخرة هم كافرون إما حال من ضمير يؤتون وإما معطوفة على الصلة .
وضمير هم كافرون ضمير فصل لا يفيد هنا إلا توكيد الحكم ويشبه أن يكون هنا توكيدا لفظيا لا ضمير فصل ، ومثله قوله وهم بالآخرة هم كافرون في سورة يوسف ، وقوله إنني أنا الله في سورة طه .
وتقديم ( بالآخرة ) على متعلقه وهو ( كافرون ) لإفادة الاهتمام .