ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك .
استئناف بياني جواب لسؤال يثيره قوله إن الذين يلحدون في آياتنا لا يخفون علينا ، وقوله إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم وما تخلل ذلك من الأوصاف فيقول سائل : فما بال هؤلاء طعنوا فيه ؟ فأجيب بأن هذه سنة الأنبياء [ ص: 310 ] مع أممهم لا يعدمون معاندين جاحدين يكفرون بما جاءوا به . وإذا بنيت على ما جوزته سابقا أن يكون جملة ( ما يقال ) خبر " إن " كانت خبرا وليست استئنافا .
وهذا تسلية للنبيء - صلى الله عليه وسلم - بطريق الكناية وأمر له بالصبر على ذلك كما صبر من قبله من الرسل بطريق التعريض .
ولهذا الكلام تفسيران :
أحدهما : أن ما يقوله المشركون في القرآن والنبيء - صلى الله عليه وسلم - هو دأب أمثالهم المعاندين من قبلهم فماصدق ما قد قيل للرسل هو مقالات الذين كذبوهم ، أي تشابهت قلوب المكذبين فكانت مقالاتهم متماثلة قال تعالى أتواصوا به .
التفسير الثاني : ما قلنا لك إلا ما قلناه للرسل من قبلك ، فأنت لم تكن بدعا من الرسل فيكون لقومك بعض العذر في التكذيب ولكنهم كذبوا كما كذب الذين من قبلهم ، فماصدق ما قد قيل للرسل هو الدين والوحي فيكون من طريقة قوله تعالى إن هذا لفي الصحف الأولى ، وكلا المعنيين وارد في القرآن فيحمل الكلام على كليهما .
وفي التعبير بـما الموصولة وفي حذف فاعل القولين في قوله ما يقال وقوله ما قد قيل نظم متين حمل الكلام هذين المعنيين العظيمين ، وفي قوله إلا ما قد قيل للرسل تشبيه بليغ . والمعنى : إلا مثل ما قد قيل للرسل .
واجتلاب المضارع في ما يقال لإفادة تجدد هذا القول منهم وعدم ارعوائهم عنه مع ظهور ما شأنه أن يصدهم عن ذلك .
واقتران الفعل بقد لتحقيق أنه قد قيل للرسل مثل ما قالت المشركون للرسول - صلى الله عليه وسلم - فهو تأكيد للازم الخبر وهو لزوم الصبر على قولهم . وهو منظور فيه إلى حال المردود عليهم إذ حسبوا أنهم جابهوا الرسول بما لم يخطر ببال غيرهم ، وهذا على حد قوله تعالى كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون أتواصوا به بل هم قوم طاغون .