( يكاد السماوات يتفطرن من فوقهن .
جملة مستأنفة مقررة لمعنى جملة وهو العلي العظيم ولذلك لم تعطف عليها ، أي يكاد السماوات على عظمتهن يتشققن من شدة تسخرهن فيما يسخرهن الله له من عمل لا يخالف ما قدره الله لهن ، وأيضا قد قيل : إن المعنى : يكاد السماوات يتفطرن من كثرة ما فيهن من الملائكة والكواكب وتصاريف الأقدار ، فيكون في معنى قول النبيء صلى الله عليه وسلم : محمد بيده ما فيها موضع شبر إلا فيه جبهة ملك ساجد يسبح الله بحمده ويرجحه تعقيبه بقوله تعالى : أطت السماء وبحقها أن تئط ، والذي نفس والملائكة يسبحون بحمد ربهم كما سيأتي .
وقرأ نافع وحده ( يكاد ) بتحتية في أوله . وقرأه الباقون بفوقية وهما وجهان جائزان في الفعل المسند إلى جمع غير المذكر السالم وخاصة مع عدم التأنيث الحقيقي . وتقدم في سورة مريم قوله : ( والكسائي يكاد السماوات يتفطرن منه ) .
[ ص: 30 ] وقرأ الجمهور يتفطرن بتحتية ثم فوقية وأصله مضارع التفطر ، وهو مطاوع التفطير الذي هو تكرير الشق . وقرأه أبو عمرو وأبو بكر عن عاصم ويعقوب بتحتية ثم نون وهو مضارع : انفطر ، مطاوع الفطر مصدر فطر الثلاثي ، إذا شق ، وليس المقصود منه على القراءتين قبول أثر الفاعل; إذ لا فاعل هنا للشق وإنما المقصود الخبر بحصول الفعل ، وهذا كثير ، كقولهم : انشق ضوء الفجر ، فلا التفات هنا لما يقصد غالبا في مادة التفعل من تكرير الفعل إذ لا فاعل للشق هنا ولا لتكرره ، فاستوت القراءتان في باب البلاغة ، على أن استعمال صيغ المطاوعة في اللغة ذو أنحاء كثيرة واعتبارات كما نبه عليه كلام الرضي في شرح الشافية .
وقوله من فوقهن يجوز أن يكون ضمير فوقهن عائدا على السماوات ، فيكون المجرور متعلقا بفعل يتفطرن بمعنى : أن انشقاقهن يحصل من أعلاهن ، وذلك أبلغ الانشقاق لأنه إذا انشق أعلاهن كان انشقاق ما دونه أولى ، كما قيل في قوله تعالى : وهي خاوية على عروشها كما تقدم في سورة البقرة وفي سورة الحج . وتكون ( من ) ابتدائية .
ويجوز أن يكون الضمير عائدا إلى الأرض من قوله تعالى وما في الأرض على تأويل الأرض بأرضين باعتبار أجزاء الكرة الأرضية أو بتأويل الأرض بسكانها من باب واسأل القرية .
وتكون ( من ) زائدة زيادتها مع الظروف لتأكيد الفوقية ، فيفيد الظرف استحضار حالة التفطر وحالة موقعه ، وقد شبه انشقاق السماء بانشقاق الوردة في قوله تعالى : فإذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان . والوردة تنشق من أعلاها حين ينفتح برعومها فيوشك إن هن تفطرن أن يخررن على الأرض ، أي يكاد يقع ذلك لما فشا في الأرض من إشراك وفساد على معنى قوله تعالى : ( وقالوا اتخذ الرحمن ولدا لقد جئتم شيئا إدا يكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا ) ويرجحه قوله الآتي والذين اتخذوا من دونه أولياء الله حفيظ عليهم . وعن ( يكاد السماوات يتفطرن ) من قول المشركين اتخذ الله ولدا . ابن عباس
[ ص: 31 ]