فهذه الآية اشتملت على عشرة معان ، وبذلك كانت أوفر معاني من قول امرئ القيس :
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل
[ ص: 221 ] المعدود أبلغ كلام من كلامهم في الإيجاز إذ وقف ، واستوقف ، وبكى واستبكى . وذكر الحبيب ، والمنزل في مصراع . وهذه الآية لا تتجاوز مقدار ذلك المصراع وعدة معانيها عشرة ، في حين كانت معاني مصراع امرئ القيس ستة مع ما تزيد به هذه الآية من الخصوصيات ، وهي التأكيد بـ ( إن ) واللام والكناية ومحسن التوجيه .والذكر يحتمل أن يكون ذكر العقل ، أي اهتداءه لما كان غير عالم به ، فشبه بتذكر الشيء المنسي وهو ما فسر به كثير الذكر بالتذكير ، أي الموعظة .
ويحتمل ذكر اللسان ، أي أنه يكسبك وقومك ذكرا ، والذكر بهذا المعنى غالب في الذكر بخبره .
والمعنى : أن القرآن سبب الذكر لأنه يكسب قومه شرفا يذكرون بسببه . وقد روي هذا التفسير عن علي في رواية وابن عباس ابن عدي وابن مردويه قال القرطبي ونظيره قوله تعالى وإنه لذكر لك ولقومك يعني القرآن شرف لك ولقومك من قريش ، فالقرآن نزل بلسان قريش فاحتاج أهل اللغات كلها إلى لسانهم كل من آمن بذلك ؛ فشرفوا بذلك على سائر أهل اللغات . وقال ابن عطية قال ابن عباس كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعرض نفسه على القبائل فإذا قالوا له : فلمن يكون الأمر بعدك ؟ سكت حتى إذا نزلت هذه الآية فكان إذا سئل عن ذلك قال : لقريش .
ودرج عليه كلام الكشاف .
ففي لفظ " ذكر " محسن التوجيه فإذا ضم إليه أن ذكره وقومه بالثناء يستلزم ذم من خالفهم كان فيه تعريض بالمعرضين عنه . و ( قومه ) هم قريش لأنهم المقصود بالكلام أو جميع العرب ؛ لأنهم شرفوا بكون الرسول الأعظم - صلى الله عليه وسلم - منهم ونزول القرآن بلغتهم ، وقد ظهر ذلك الشرف لهم في سائر الأعصر إلى اليوم ، ولولاه ما كان للعرب من يشعر بهم من الأمم العظيمة الغالبة على الأرض .
وهذا ثناء سابع على القرآن .
والسؤال في قوله وسوف تسألون سؤال تقرير . فسؤال المؤمنين عن [ ص: 222 ] مقدار العمل بما كلفوا به ، وسؤال المشركين سؤال توبيخ وتهديد ، قال تعالى : " ستكتب شهادتهم ويسألون " وقال تعالى : " ألم يأتكم نذير إلى قوله فاعترفوا بذنبهم فسحقا لأصحاب السعير .