ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون
لما أشارت الآية السابقة إلى إبطال ضلالة الذين زعموا عيسى عليه السلام ابنا لله تعالى ، من قصره على كونه عبدا لله أنعم الله عليه بالرسالة وأنه عبرة لبني إسرائيل عقب ذلك بإبطال ما يماثل تلك الضلالة ، وهي المتقدم حكايتها في قوله ضلالة بعض المشركين في ادعاء بنوة الملائكة لله تعالى وجعلوا له من عباده جزءا الآيات . فأشير إلى أن الملائكة عباد لله تعالى جعل مكانهم العوالم العليا ، وأنه لو شاء لجعلهم من سكان الأرض بدلا عن الناس ، أي أن كونهم من أهل العوالم العليا لم يكن واجبا لهم بالذات وما هو إلا وضع بجعل من الله تعالى كما جعل للأرض سكانا ، ولو شاء الله لعكس فجعل الملائكة في الأرض بدلا عن [ ص: 242 ] الناس ، فليس تشريف الله إياهم بسكنى العوالم العليا بموجب بنوتهم لله ولا بمقتض لهم إلهية ، كما لم يكن تشريف عيسى بنعمة الرسالة ولا تمييزه بالتكون من دون أب مقتضيا له إلهية وإنما هو بجعل الله وخلقه .
وجعل شرط ( لو ) فعلا مستقبلا للدلالة على أن هذه المشيئة لم تزل ممكنة بأن يعوض للملائكة سكنى الأرض .
ومعنى ( من ) في قوله " منكم " البدلية والعوض كالتي في قوله تعالى أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة .
والمجرور متعلق بـ " جعلنا " ، وقدم على مفعول الفعل للاهتمام بمعنى هذه البدلية لتتعمق أفهام السامعين في تدبرها .
وجملة " في الأرض يخلفون " بيان لمضمون شبه الجملة إلى قوله " منكم " وحذف مفعول " يخلفون " لدلالة " منكم " عليه ، وتقديم هذا المجرور للاهتمام بما هو أدل على كون الجملة بيانا لمضمون منكم .
وهذا هو الوجه في معنى الآية وعليه درج المحققون . ومحاولة صاحب الكشاف حمل " منكم " على معنى الابتدائية والاتصال لا يلاقي سياق الآيات .