أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون أم خلقوا السماوات والأرض .
وهو إضراب انتقال أيضا ، والاستفهام المقدر بعد " أم " إنكاري ، أي : ما هم الخالقون وإذ كانوا لم يدعوا ذلك فالإنكار مرتب على تنزيلهم منزلة من يزعمون أنهم خالقون .
وصيغت الجملة في صيغة الحصر الذي طريقه تعريف الجزأين قصرا إضافيا للرد عليهم بتنزيلهم منزلة من يزعم أنهم الخالقون لا الله ؛ لأنهم عدوا من [ ص: 69 ] المحال ما هو خارج عن قدرتهم ، فجعلوه خارجا عن قدرة الله ، فالتقدير : أم هم الخالقون لا نحن . والمعنى : نحن الخالقون لا هم .
وحذف مفعول الخالقون لقصد العموم ، أي الخالقون للمخلوقات وعلى هذا جرى وقدره المفسرون عدا الطبري : أم هم الخالقون أنفسهم كأنهم جعلوا ضمير الطبري أم خلقوا من غير شيء دليلا على أن المحذوف اسم معاد ذلك الضمير ولا افتراء في انتفاء أن يكونوا خالقين ، فلذلك لم يتصد إلى الاستدلال على هذا الانتفاء .
وجملة أم خلقوا السماوات والأرض يظهر لي أنها بدل من جملة أم هم الخالقون بدل مفصل من مجمل ، إن كان مفعول " الخالقون " المحذوف مرادا به العموم وكان المراد بالسماء والأرض ذاتيهما مع من فيهما ، أو بدل بعض من كل أن المراد ذاتي السماء والأرض ، فيكون تخصيص السماوات والأرض بالذكر لعظم خلقهما .
وإعادة حرف " أم " للتأكيد كما يعاد عامل المبدل منه في البدل ، والمعنى : أم هم الخالقون للسماوات والأرض .
والاستفهام إنكاري والكلام كناية عن إثبات أن الله خالق السماوات والأرض .
والمعنى : أن الذي خلق السماوات والأرض لا يعجزه إعادة الأجساد بعد الموت والفناء . وهذا معنى قوله تعالى أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض قادر على أن يخلق مثلهم ، أي : أن يخلق أمثال أجسادهم بعد انعدامهم .