وسبح بحمد ربك حين تقوم ومن الليل فسبحه وإدبار النجوم .
التسبيح : التنزيه ، والمراد ما يدل عليه من قول ، وأشهر ذلك هو قول : سبحان الله وما يرادفه من الألفاظ ، ولذلك كثر إطلاق التسبيح وما يشتق منه على الصلوات في آيات كثيرة وآثار .
[ ص: 85 ] والباء في قوله بحمد ربك للمصاحبة ، جمعا بين تعظيم الله بالتنزيه عن النقائص ، وبين الثناء عليه بأوصاف الكمال .
و حين تقوم وقت الهبوب من النوم ، وهو وقت استقبال أعمال اليوم وعنده تتجدد الأسباب التي من أجلها أمر بالصبر والتسبيح والحمد .
فالتسبيح : مراد به الصلاة . والقيام : جعل وقت للصلوات : إما للنوافل ، وإما للصلاة الفريضة وهي الصبح .
وقيل : التسبيح قوله ( سبحان الله ) . والقيام : الاستعداد للصلاة أو الهبوب من النوم وروي ذلك عن عوف بن مالك وابن زيد والضحاك على تقارب بين أقوالهم ، أي : يقول القائم : سبحان الله وبحمده أو سبحانك اللهم ربنا وبحمدك ولا إله غيرك .
وعن عوف بن مالك وجماعة : أن المراد بالقيام وابن مسعود لما روى القيام من المجلس الترمذي عن أن النبيء - صلى الله عليه وسلم - قال أبي هريرة ذلك ولم يذكر أنه قرأ هذه الآية . من جلس مجلسا فكثر فيه لغطه ، فقال قبل أن يقوم من مجلسه ذلك : سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك ، إلا غفر له ما كان في مجلسه
و من الليل ، أي : زمنا هو بعض الليل ، فيشمل وقت النهي للنوم وفيه تتوارد على الإنسان ذكريات مهماته ، ويشمل وقت التهجد في الليل .
وقوله " فسبحه " اكتفاء ، أي : واحمده .
وانتصب وإدبار النجوم على الظرفية ؛ لأنه على تقدير : ووقت إدبار النجوم .
والإدبار : رجوع الشيء من حيث جاء ؛ لأنه ينقلب إلى جهة الدبر ، أي الظهر .
وإدبار النجوم : سقوط طوالعها ، فإطلاق الإدبار هنا مجاز في المفارقة [ ص: 86 ] والمزايلة ، أي : عند احتجاب النجوم . وفي الحديث " إذا أقبل الليل من هاهنا - الإشارة إلى المشرق - وأدبر النهار من هاهنا - الإشارة إلى جهة الغرب - فقد أفطر الصائم " .
وسقوط طوالعها التي تطلع : أنها تسقط في جهة المغرب عند الفجر إذا أضاء عليها ابتداء ظهور شعاع الشمس ، فإدبار النجوم : وقت السحر ، وهو وقت يستوفي فيه الإنسان حظه من النوم ويبقى فيه ميل إلى استصحاب الدعة ، فأمر بالتسبيح فيه ليفصل بين النوم المحتاج إليه وبين التناوم الناشئ عن التكاسل ، ثم إن وجد في نفسه بعد التسبيح حاجة إلى غفوة من النوم اضطجع قليلا إلى أن يحين وقت صلاة الصبح ، كما . كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يضطجع بعد صلاة الفجر حتى يأتيه المؤذن بصلاة الصبح
والنجوم : جمع نجم وهو الكوكب الذي يضيء في الليل غير القمر ، وتقدم قوله تعالى وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم في سورة النحل .
والآية تشير إلى أوقات الرغائب من النوافل وهي صلاة الفجر والأشفاع بعد العشاء وقيام آخر الليل . وقيل : أشارت إلى الصلوات الخمس بوجه الإجمال وبينته السنة .