[ ص: 94 ] nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=4nindex.php?page=treesubj&link=29024_31064إن هو إلا وحي يوحى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=5علمه شديد القوى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=6ذو مرة فاستوى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=7وهو بالأفق الأعلى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=8ثم دنا فتدلى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=9فكان قاب قوسين أو أدنى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=10فأوحى إلى عبده ما أوحى .
استئناف بياني لجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=3وما ينطق عن الهوى .
وضمير هو عائد إلى المنطوق به المأخوذ من فعل " ينطق " كما في قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=8اعدلوا هو أقرب للتقوى أي العدل المأخوذ من فعل
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=8اعدلوا .
ويجوز أن يعود الضمير إلى معلوم من سياق الرد عليهم ؛ لأنهم زعموا في أقوالهم المردودة بقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=2ما ضل صاحبكم وما غوى زعموا القرآن سحرا ، أو شعرا ، أو كهانة ، أو أساطير الأولين ، أو إفكا افتراه .
وإن كان النبيء - صلى الله عليه وسلم - ينطق بغير القرآن عن وحي كما في حديث
الحديبية في جوابه للذي سأله :
وما يفعل المعتمر ؟ وكقوله
nindex.php?page=hadith&LINKID=2002502إن روح القدس نفث في روعي إن نفسا لن تموت حتى تستكمل أجلها ومثل جميع الأحاديث القدسية التي فيها قال الله تعالى ونحوه .
وفي سنن
أبي داود nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=241المقدام بن معديكرب قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
nindex.php?page=hadith&LINKID=2002503إني أوتيت الكتاب ومثله معه ، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول : عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه وما وجدتم فيه من حرام فحرموه .
وقد ينطق عن اجتهاد
nindex.php?page=hadith&LINKID=2002504كأمره بكسر القدور التي طبخت فيها الحمر الأهلية فقيل له : أونهريقها ونغسلها ؟ فقال : أوذاك .
فهذه الآية بمعزل عن إيرادها في الاحتجاج لجواز
nindex.php?page=treesubj&link=22271الاجتهاد للنبيء - صلى الله عليه وسلم - لأنها كان نزولها في أول أمر الإسلام وإن كان الأصح أن يجوز له الاجتهاد وأنه وقع منه وهي من مسائل أصول الفقه .
والوحي تقدم عند قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=163إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح في سورة
[ ص: 95 ] النساء . وجملة " يوحى " مؤكدة لجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=4إن هو إلا وحي مع دلالة المضارع على أن ما ينطق به متجدد وحيه غير منقطع .
ومتعلق يوحى محذوف تقديره : إليه ، أي : إلى صاحبكم .
وترك فاعل الوحي لضرب من الإجمال الذي يعقبه التفصيل ؛ لأنه سيرد بعده ما يبينه من قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=10فأوحى إلى عبده ما أوحى .
وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=5nindex.php?page=treesubj&link=29024_29752_29753علمه شديد القوى إلخ ، مستأنفة استئنافا بيانيا لبيان كيفية الوحي .
وضمير الغائب في علمه عائد إلى الوحي ، أو إلى ما عاد إليه ضمير هو من قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=4إن هو إلا وحي . وضمير هو يعود إلى القرآن ، وهو ضمير في محل أحد مفعولي علم وهو المفعول الأول ، والمفعول الثاني محذوف ، والتقدير : علمه إياه ، يعود إلى صاحبكم ، ويجوز جعل هاء علمه عائدا إلى صاحبكم والمحذوف عائد إلى وحي إبطالا لقول المشركين
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=103إنما يعلمه بشر .
و ( علم ) هنا متعد إلى مفعولين ؛ لأنه مضاعف ( علم ) المتعدي إلى مفعول واحد .
و
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=5شديد القوى : صفة لمحذوف يدل عليه ما يذكر بعد مما هو من شئون الملائكة ، أي : ملك شديد القوى . واتفق المفسرون على أن المراد به
جبريل عليه السلام .
والمراد ب
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=5القوى استطاعة تنفيذ ما يأمر الله به من الأعمال العظيمة العقلية والجسمانية ، فهو الملك الذي ينزل على الرسل بالتبليغ .
والمرة - بكسر الميم وتشديد الراء المفتوحة - تطلق على قوة الذات وتطلق على متانة العقل وأصالته ، وهو المراد هنا ؛ لأنه قد تقدم قبله وصفه بشديد القوى ، وتخصيص
جبريل بهذا الوصف يشعر بأنه الملك الذي ينزل بفيوضات الحكمة على
[ ص: 96 ] الرسل والأنبياء ، ولذلك
nindex.php?page=hadith&LINKID=2002505لما ناول الملك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة الإسراء كأس لبن وكأس خمر ، فاختار اللبن قال له جبريل : اخترت الفطرة ولو أخذت الخمر غوت أمتك .
وقوله فاستوى مفرع على ما تقدم من قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=5علمه شديد القوى .
والفاء لتفصيل " علمه " ، والمستوي هو
جبريل . ومعنى استوائه : قيامه بعزيمة لتلقي رسالة الله ، كما يقال : استقل قائما ، ومثل : بين يدي فلان ، فاستواء
جبريل هو مبدأ التهيؤ لقبول الرسالة من عند الله ، ولذلك قيد هذا الاستواء بجملة الحال في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=7وهو بالأفق الأعلى . والضمير
لجبريل لا محالة ، أي : قبل أن ينزل إلى العالم الأرضي .
والأفق : اسم للجو الذي يبدو للناظر ملتقى بين طرف منتهى النظر من الأرض وبين منتهى ما يلوح كالقبة الزرقاء ، وغلب إطلاقه على ناحية بعيدة عن موطن القوم ومنه أفق المشرق وأفق المغرب .
ووصفه ب " الأعلى " في هذه الآية يفيد أنه ناحية من جو السماء . وذكر هذا ليرتب عليه قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=8ثم دنا فتدلى .
و " ثم " عاطفة على جملة " فاستوى " ، والتراخي الذي تفيده " ثم " تراخ رتبي ؛ لأن الدنو إلى حيث يبلغ الوحي هو الأهم في هذا المقام .
والدنو : القرب ، وإذ قد كان فعل الدنو قد عطف ب " ثم " على استوى بالأفق الأعلى ، علم أنه دنا إلى العالم الأرضي ، أي : أخذ في الدنو بعد أن تلقى ما يبلغه إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - .
وتدلى : انخفض من علو قليلا ، أي : ينزل من طبقات إلى ما تحتها كما يتدلى الشيء المعلق في الهواء بحيث لو رآه الرائي يحسبه متدليا ، وهو ينزل من السماء غير منقض .
و ( قاب ) ، قيل معناه : قدر . وهو واوي العين ، ويقال : قاب وقيب بكسر
[ ص: 97 ] القاف ، وهذا ما درج عليه أكثر المفسرين . وقيل يطلق القاب على ما بين مقبض القوس ، أي : وسط عوده المقوس وما بين سيتيها ، أي : طرفيها المنعطف الذي يشد به الوتر ، فللقوس قابان وسيتان ، ولعل هذا الإطلاق هو الأصل للآخر ، وعلى هذا المعنى حمل
الفراء nindex.php?page=showalam&ids=14423والزمخشري وابن عطية وعن
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب : القاب : صدر القوس العربية حيث يشد عليه السير الذي يتنكبه صاحبه ولكل قوس قاب واحد .
وعلى كلا التفسيرين فقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=9قاب قوسين أصله قابي قوس أو قابي قوسين ( بتثنية أحد اللفظين المضاف والمضاف إليه ، أو كليهما ) فوقع إفراد أحد اللفظين أو كليهما تجنبا لثقل المثنى كما في قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=4إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما ، أي : قلباكما .
وقيل يطلق القوس في لغة
أهل الحجاز على ذراع يذرع به ( ولعله إذن مصدر قاس فسمي به ما يقاس به ) .
والقوس : آلة من عود نبع ، مقوسة يشد بها وتر من جلد ويرمى عنها السهام . والنشاب وهي في مقدار الذراع عند العرب .
وحاصل المعنى أن
جبريل كان على مسافة قوسين من النبيء - صلى الله عليه وسلم - الدال عليه التفريع بقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=10فأوحى إلى عبده ما أوحى ، ولعل الحكمة في هذا البعد أن هذه الصفة
nindex.php?page=treesubj&link=29758حكاية لصورة الوحي الذي كان في أوائل عهد النبيء - صلى الله عليه وسلم - بالنبوة فكانت قواه البشرية يومئذ غير معتادة لتحمل اتصال القوة الملكية بها مباشرة رفقا بالنبيء - صلى الله عليه وسلم - أن لا يتجشم شيئا يشق عليه ، ألا ترى أنه لما اتصل به في
غار حراء ولا اتصال ، وهو الذي عبر عنه في حديثه بالغط قال النبيء - صلى الله عليه وسلم - فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم كانت تعتريه الحالة الموصوفة في حديث نزول أول الوحي المشار إليها في سورة المدثر وسورة المزمل قال تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=5إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا ، ثم اعتاد اتصال
جبريل به مباشرة فقد جاء في حديث
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب في سؤال
جبريل عن الإيمان والإسلام والإحسان والساعة أنه جلس إلى النبيء - صلى الله عليه وسلم - فأسند ركبتيه إلى ركبتيه إذ كان النبيء - صلى الله عليه وسلم - أيامئذ
بالمدينة وقد اعتاد الوحي وفارقته شدته ،
[ ص: 98 ] ولمراعاة هذه الحكمة كان
جبريل يتمثل للنبيء - صلى الله عليه وسلم - في صورة إنسان وقد وصفه
عمر في حديث بيان الإيمان والإسلام بقوله
nindex.php?page=hadith&LINKID=2002506إذ دخل علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد " الحديث ، وأن النبيء - صلى الله عليه وسلم - قال لهم بعد مفارقته يا عمر أتدري من السائل ؟ قال عمر : الله ورسوله أعلم ، قال : فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم .
وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=9أو أدنى ( أو ) فيه للتخيير في التقدير ، وهو مستعمل في التقريب ، أي : إن أراد أحد تقريب هذه المسافة فهو مخير بين أن يجعلها قاب قوسين أو أدنى ، أي : لا أزيد إشارة إلى أن التقرير لا مبالغة فيه .
وتفريع
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=10فأوحى إلى عبده ما أوحى على قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=8فتدلى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=9فكان قاب قوسين المفرع على المفرع على قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=5علمه شديد القوى ، وهذا التفريع هو المقصود من البيان وما قبله تمهيد له ، وتمثيل لأحوال عجيبة بأقرب ما يفهمه الناس لقصد بيان إمكان تلقي الوحي عن الله تعالى إذ كان المشركون يحيلونه فبين لهم إمكان الوحي بوصف طريق الوحي إجمالا ، وهذه كيفية من صور الوحي .
وضمير أوحى عائد إلى الله تعالى المعلوم من قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=4إن هو إلا وحي يوحى كما تقدم ، والمعنى : فأوحى إلى عبده
محمد - صلى الله عليه وسلم - .
وهذا كاف في هذا المقام ؛ لأن المقصود إثبات الإيحاء لإبطال إنكارهم إياه .
وإيثار التعبير عن النبيء - صلى الله عليه وسلم - بعنوان عبده إظهار في مقام الإضمار في اختصاص الإضافة إلى ضمير الجلالة من التشريف .
وفي قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=10ما أوحى إيهام لتفخيم ما أوحى إليه .
[ ص: 94 ] nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=4nindex.php?page=treesubj&link=29024_31064إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=5عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=6ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=7وَهْوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=8ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=9فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=10فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى .
اسْتِئْنَافٌ بَيَانِيٌّ لِجُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=3وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى .
وَضَمِيرُ هُوَ عَائِدٌ إِلَى الْمَنْطُوقِ بِهِ الْمَأْخُوذِ مِنْ فِعْلِ " يَنْطِقُ " كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=8اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى أَيِ الْعَدْلُ الْمَأْخُوذُ مِنْ فِعْلِ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=8اعْدِلُوا .
وَيَجُوزُ أَنْ يَعُودَ الضَّمِيرُ إِلَى مَعْلُومٍ مِنْ سِيَاقِ الرَّدِّ عَلَيْهِمْ ؛ لِأَنَّهُمْ زَعَمُوا فِي أَقْوَالِهِمُ الْمَرْدُودَةِ بِقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=2مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى زَعَمُوا الْقُرْآنَ سِحْرًا ، أَوْ شِعْرًا ، أَوْ كَهَانَةً ، أَوْ أَسَاطِيرَ الْأَوَّلِينَ ، أَوْ إِفْكًا افْتَرَاهُ .
وَإِنْ كَانَ النَّبِيءُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَنْطِقُ بِغَيْرِ الْقُرْآنِ عَنْ وَحْيٍ كَمَا فِي حَدِيثِ
الْحُدَيْبِيَةِ فِي جَوَابِهِ لِلَّذِي سَأَلَهُ :
وَمَا يَفْعَلُ الْمُعْتَمِرُ ؟ وَكَقَوْلِهِ
nindex.php?page=hadith&LINKID=2002502إِنَّ رُوحَ الْقُدُسِ نَفَثَ فِي رَوْعِي إِنَّ نَفْسًا لَنْ تَمُوتَ حَتَّى تَسْتَكْمِلَ أَجَلَهَا وَمِثْلَ جَمِيعِ الْأَحَادِيثِ الْقُدْسِيَّةِ الَّتِي فِيهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَنَحْوُهُ .
وَفِي سُنَنِ
أَبِي دَاوُدَ nindex.php?page=showalam&ids=13948وَالتِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=241الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِيكِرِبَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
nindex.php?page=hadith&LINKID=2002503إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ ، أَلَا يُوشِكَ رَجُلٌ شَبْعَانَ عَلَى أَرِيكَتِهِ يَقُولُ : عَلَيْكُمْ بِهَذَا الْقُرْآنِ فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَلَالٍ فَأَحِلُّوهُ وَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ .
وَقَدْ يَنْطِقُ عَنِ اجْتِهَادٍ
nindex.php?page=hadith&LINKID=2002504كَأَمْرِهِ بِكَسْرِ الْقُدُورِ الَّتِي طُبِخَتْ فِيهَا الْحُمُرُ الْأَهْلِيَّةُ فَقِيلَ لَهُ : أَوَنُهْرِيقُهَا وَنَغْسِلُهَا ؟ فَقَالَ : أَوَذَاكَ .
فَهَذِهِ الْآيَةُ بِمَعْزِلٍ عَنْ إِيرَادِهَا فِي الِاحْتِجَاجِ لِجَوَازِ
nindex.php?page=treesubj&link=22271الِاجْتِهَادِ لِلنَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّهَا كَانَ نُزُولُهَا فِي أَوَّلِ أَمْرِ الْإِسْلَامِ وَإِنْ كَانَ الْأَصَحُّ أَنْ يَجُوزَ لَهُ الِاجْتِهَادُ وَأَنَّهُ وَقَعَ مِنْهُ وَهِيَ مِنْ مَسَائِلِ أُصُولِ الْفِقْهِ .
وَالْوَحْيُ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=163إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ فِي سُورَةِ
[ ص: 95 ] النِّسَاءِ . وَجُمْلَةُ " يُوحَى " مُؤَكِّدَةٌ لِجُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=4إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ مَعَ دَلَالَةِ الْمُضَارِعِ عَلَى أَنَّ مَا يَنْطِقُ بِهِ مُتَجَدِّدٌ وَحْيُهُ غَيْرُ مُنْقَطِعٍ .
وَمُتَعَلِّقُ يُوحَى مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ : إِلَيْهِ ، أَيْ : إِلَى صَاحِبِكُمْ .
وَتُرِكَ فَاعِلُ الْوَحْيِ لِضَرْبٍ مِنَ الْإِجْمَالِ الَّذِي يَعْقِبُهُ التَّفْصِيلُ ؛ لِأَنَّهُ سَيَرِدُ بَعْدَهُ مَا يُبَيِّنُهُ مِنْ قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=10فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى .
وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=5nindex.php?page=treesubj&link=29024_29752_29753عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى إِلَخْ ، مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا لِبَيَانِ كَيْفِيَّةِ الْوَحْيِ .
وَضَمِيرُ الْغَائِبِ فِي عَلَّمَهُ عَائِدٌ إِلَى الْوَحْيِ ، أَوْ إِلَى مَا عَادَ إِلَيْهِ ضَمِيرُ هُوَ مِنْ قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=4إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ . وَضَمِيرُ هُوَ يَعُودُ إِلَى الْقُرْآنِ ، وَهُوَ ضَمِيرٌ فِي مَحَلِّ أَحَدِ مَفْعُولَيْ عَلَّمَ وَهُوَ الْمَفْعُولُ الْأَوَّلُ ، وَالْمَفْعُولُ الثَّانِي مَحْذُوفٌ ، وَالتَّقْدِيرُ : عَلَّمَهُ إِيَّاهُ ، يَعُودُ إِلَى صَاحِبِكُمْ ، وَيَجُوزُ جَعْلُ هَاءَ عَلَّمَهُ عَائِدًا إِلَى صَاحِبِكُمْ وَالْمَحْذُوفُ عَائِدٌ إِلَى وَحْيٍ إِبْطَالًا لِقَوْلِ الْمُشْرِكِينَ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=103إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ .
وَ ( عَلَّمَ ) هُنَا مُتَعَدٍّ إِلَى مَفْعُولَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ مُضَاعَفُ ( عَلِمَ ) الْمُتَعَدِّي إِلَى مَفْعُولٍ وَاحِدٍ .
وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=5شَدِيدُ الْقُوَى : صِفَةٌ لِمَحْذُوفٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا يُذْكَرُ بَعْدُ مِمَّا هُوَ مِنْ شِئُونِ الْمَلَائِكَةِ ، أَيْ : مَلَكٌ شَدِيدُ الْقُوَى . وَاتَّفَقَ الْمُفَسِّرُونَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ
جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ .
وَالْمُرَادُ بِ
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=5الْقُوَى اسْتِطَاعَةُ تَنْفِيذِ مَا يَأْمُرُ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْأَعْمَالِ الْعَظِيمَةِ الْعَقْلِيَّةِ وَالْجُسْمَانِيَّةِ ، فَهُوَ الْمَلَكُ الَّذِي يَنْزِلُ عَلَى الرُّسُلِ بِالتَّبْلِيغِ .
وَالْمِرَّةُ - بِكَسْرِ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ الْمَفْتُوحَةِ - تُطْلَقُ عَلَى قُوَّةِ الذَّاتِ وَتُطْلَقُ عَلَى مَتَانَةِ الْعَقْلِ وَأَصَالَتِهِ ، وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ قَبْلَهُ وَصْفُهُ بِشَدِيدِ الْقُوَى ، وَتَخْصِيصُ
جِبْرِيلُ بِهَذَا الْوَصْفِ يُشْعِرُ بِأَنَّهُ الْمَلَكُ الَّذِي يَنْزِلُ بِفُيُوضَاتِ الْحِكْمَةِ عَلَى
[ ص: 96 ] الرُّسُلِ وَالْأَنْبِيَاءِ ، وَلِذَلِكَ
nindex.php?page=hadith&LINKID=2002505لَمَّا نَاوَلَ الْمَلَكُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ كَأْسَ لَبَنٍ وَكَأْسَ خَمْرٍ ، فَاخْتَارَ اللَّبَنَ قَالَ لَهُ جِبْرِيلُ : اخْتَرْتَ الْفِطْرَةَ وَلَوْ أَخَذْتَ الْخَمْرَ غَوَتْ أُمَّتُكُ .
وَقَوْلُهُ فَاسْتَوَى مُفَرَّعٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=5عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى .
وَالْفَاءُ لِتَفْصِيلِ " عَلَّمَهُ " ، وَالْمُسْتَوِي هُوَ
جِبْرِيلُ . وَمَعْنَى اسْتِوَائِهِ : قِيَامُهُ بِعَزِيمَةٍ لِتَلَقِّي رِسَالَةِ اللَّهِ ، كَمَا يُقَالُ : اسْتَقَلَّ قَائِمًا ، وَمِثْلَ : بَيْنَ يَدَيْ فُلَانٍ ، فَاسْتِوَاءُ
جِبْرِيلُ هُوَ مَبْدَأُ التَّهَيُّؤِ لِقُبُولِ الرِّسَالَةِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ، وَلِذَلِكَ قُيِّدَ هَذَا الِاسْتِوَاءُ بِجُمْلَةِ الْحَالِ فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=7وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى . وَالضَّمِيرُ
لِجِبْرِيلَ لَا مَحَالَةَ ، أَيْ : قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ إِلَى الْعَالَمِ الْأَرْضِيِّ .
وَالْأُفُقُ : اسْمٌ لِلْجَوِّ الَّذِي يَبْدُو لِلنَّاظِرِ مُلْتَقًى بَيْنَ طَرَفِ مُنْتَهَى النَّظَرِ مِنَ الْأَرْضِ وَبَيْنَ مُنْتَهَى مَا يَلُوحُ كَالْقُبَّةِ الزَّرْقَاءِ ، وَغَلَبَ إِطْلَاقُهُ عَلَى نَاحِيَةٍ بَعِيدَةٍ عَنْ مَوْطِنِ الْقَوْمِ وَمِنْهُ أُفُقُ الْمَشْرِقِ وَأُفُقُ الْمَغْرِبِ .
وَوَصْفُهُ بِ " الْأَعْلَى " فِي هَذِهِ الْآيَةِ يُفِيدُ أَنَّهُ نَاحِيَةٌ مِنْ جَوِّ السَّمَاءِ . وَذُكِرَ هَذَا لِيُرَتَّبَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=8ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى .
وَ " ثُمَّ " عَاطِفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ " فَاسْتَوَى " ، وَالتَّرَاخِي الَّذِي تُفِيدُهُ " ثُمَّ " تَرَاخٍ رُتَبِيٌّ ؛ لِأَنَّ الدُّنُوَّ إِلَى حَيْثُ يَبْلُغُ الْوَحْيُ هُوَ الْأَهَمُّ فِي هَذَا الْمَقَامِ .
وَالدُّنُوُّ : الْقُرْبُ ، وَإِذْ قَدْ كَانَ فِعْلُ الدُّنُوِّ قَدْ عُطِفَ بِ " ثُمَّ " عَلَى اسْتَوَى بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى ، عُلِمَ أَنَّهُ دَنَا إِلَى الْعَالَمِ الْأَرْضِيِّ ، أَيْ : أَخَذَ فِي الدُّنُوِّ بَعْدَ أَنْ تَلَقَّى مَا يُبَلِّغُهُ إِلَى الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - .
وَتَدَلَّى : انْخَفَضَ مِنْ عُلُوٍّ قَلِيلًا ، أَيْ : يَنْزِلُ مِنْ طَبَقَاتٍ إِلَى مَا تَحْتَهَا كَمَا يَتَدَلَّى الشَّيْءُ الْمُعَلَّقُ فِي الْهَوَاءِ بِحَيْثُ لَوْ رَآهُ الرَّائِي يَحْسَبُهُ مُتَدَلِّيًا ، وَهُوَ يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ غَيْرَ مُنْقَضٍّ .
وَ ( قَابَ ) ، قِيلَ مَعْنَاهُ : قَدْرَ . وَهُوَ وَاوِيُّ الْعَيْنِ ، وَيُقَالُ : قَابَ وَقِيبَ بِكَسْرِ
[ ص: 97 ] الْقَافِ ، وَهَذَا مَا دَرَجَ عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ . وَقِيلَ يُطْلَقُ الْقَابُ عَلَى مَا بَيْنَ مَقْبِضِ الْقَوْسِ ، أَيْ : وَسَطِ عُودِهِ الْمُقَوَّسِ وَمَا بَيْنَ سِيتَيْهَا ، أَيْ : طَرَفَيْهَا الْمُنْعَطِفِ الَّذِي يُشَدُّ بِهِ الْوَتَرُ ، فَلِلْقَوْسِ قَابَانِ وَسِيَتَانِ ، وَلَعَلَّ هَذَا الْإِطْلَاقَ هُوَ الْأَصْلُ لِلْآخَرِ ، وَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى حَمَلَ
الْفَرَّاءُ nindex.php?page=showalam&ids=14423وَالزَّمَخْشَرِيُّ وَابْنُ عَطِيَّةَ وَعَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=15990سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ : الْقَابُ : صَدْرُ الْقَوْسِ الْعَرَبِيَّةِ حَيْثُ يُشَدُّ عَلَيْهِ السَّيْرُ الَّذِي يَتَنَكَّبُهُ صَاحِبُهُ وَلِكُلِّ قَوْسٍ قَابٌ وَاحِدٌ .
وَعَلَى كِلَا التَّفْسِيرَيْنِ فَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=9قَابَ قَوْسَيْنِ أَصْلُهُ قَابَيْ قَوْسٍ أَوْ قَابَيْ قَوْسَيْنِ ( بِتَثْنِيَةِ أَحَدِ اللَّفْظَيْنِ الْمُضَافِ وَالْمُضَافِ إِلَيْهِ ، أَوْ كِلَيْهِمَا ) فَوَقَعَ إِفْرَادُ أَحَدِ اللَّفْظَيْنِ أَوْ كِلَيْهِمَا تَجَنُّبًا لِثِقَلِ الْمُثَنَّى كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=4إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا ، أَيْ : قَلْبَاكُمَا .
وَقِيلَ يُطْلَقُ الْقَوْسُ فِي لُغَةِ
أَهْلِ الْحِجَازِ عَلَى ذِرَاعٍ يُذْرَعُ بِهِ ( وَلَعَلَّهُ إِذَنْ مَصْدَرُ قَاسَ فَسُمِّيَ بِهِ مَا يُقَاسُ بِهِ ) .
وَالْقَوْسُ : آلَةٌ مِنْ عُودِ نَبْعٍ ، مُقَوَّسَةٌ يُشَدُّ بِهَا وَتَرٌ مِنْ جِلْدٍ وَيُرْمَى عَنْهَا السِّهَامُ . وَالنِّشَابُ وَهِيَ فِي مِقْدَارِ الذِّرَاعِ عِنْدَ الْعَرَبِ .
وَحَاصِلُ الْمَعْنَى أَنَّ
جِبْرِيلَ كَانَ عَلَى مَسَافَةِ قَوْسَيْنِ مِنَ النَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الدَّالِّ عَلَيْهِ التَّفْرِيعُ بِقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=10فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى ، وَلَعَلَّ الْحِكْمَةَ فِي هَذَا الْبُعْدِ أَنَّ هَذِهِ الصِّفَةَ
nindex.php?page=treesubj&link=29758حِكَايَةٌ لِصُورَةِ الْوَحْيِ الَّذِي كَانَ فِي أَوَائِلِ عَهْدِ النَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالنِّبُوَّةِ فَكَانَتْ قُوَاهُ الْبَشَرِيَّةُ يَوْمَئِذٍ غَيْرَ مُعْتَادَةٍ لِتَحَمُّلِ اتِّصَالِ الْقُوَّةِ الْمَلَكِيَّةِ بِهَا مُبَاشَرَةً رِفْقًا بِالنَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ لَا يَتَجَشَّمَ شَيْئًا يَشُقُّ عَلَيْهِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَمَّا اتَّصَلَ بِهِ فِي
غَارِ حِرَاءٍ وَلَا اتِّصَالَ ، وَهُوَ الَّذِي عَبَّرَ عَنْهُ فِي حَدِيثِهِ بِالْغَطِّ قَالَ النَّبِيءُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَغَطَّنِي حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجَهْدَ ثُمَّ كَانَتْ تَعْتَرِيهِ الْحَالَةُ الْمَوْصُوفَةُ فِي حَدِيثِ نُزُولِ أَوَّلِ الْوَحْيِ الْمُشَارِ إِلَيْهَا فِي سُورَةِ الْمُدَّثِّرِ وَسُورَةِ الْمُزَّمِّلِ قَالَ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=5إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا ، ثُمَّ اعْتَادَ اتِّصَالَ
جِبْرِيلَ بِهِ مُبَاشَرَةً فَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي سُؤَالِ
جِبْرِيلَ عَنِ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ وَالْإِحْسَانِ وَالسَّاعَةِ أَنَّهُ جَلَسَ إِلَى النَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ إِذْ كَانَ النَّبِيءُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيَّامَئِذٍ
بِالْمَدِينَةِ وَقَدِ اعْتَادَ الْوَحْيَ وَفَارَقَتْهُ شِدَّتُهُ ،
[ ص: 98 ] وَلِمُرَاعَاةِ هَذِهِ الْحِكْمَةِ كَانَ
جِبْرِيلُ يَتَمَثَّلُ لِلنَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي صُورَةِ إِنْسَانٍ وَقَدْ وَصَفَهُ
عُمَرُ فِي حَدِيثِ بَيَانِ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ بِقَوْلِهِ
nindex.php?page=hadith&LINKID=2002506إِذْ دَخَلَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعْرِ لَا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ وَلَا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ " الْحَدِيثُ ، وَأَنَّ النَّبِيءَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُمْ بَعْدَ مُفَارَقَتِهِ يَا عُمَرُ أَتَدْرِي مَنِ السَّائِلُ ؟ قَالَ عُمَرُ : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ : فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ .
وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=9أَوْ أَدْنَى ( أَوْ ) فِيهِ لِلتَّخْيِيرِ فِي التَّقْدِيرِ ، وَهُوَ مُسْتَعْمَلٌ فِي التَّقْرِيبِ ، أَيْ : إِنْ أَرَادَ أَحَدٌ تَقْرِيبَ هَذِهِ الْمَسَافَةِ فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَجْعَلَهَا قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى ، أَيْ : لَا أَزْيَدَ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ التَّقْرِيرَ لَا مُبَالَغَةَ فِيهِ .
وَتَفْرِيعُ
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=10فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى عَلَى قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=8فَتَدَلَّى nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=9فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ الْمُفَرَّعِ عَلَى الْمُفَرَّعِ عَلَى قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=5عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ، وَهَذَا التَّفْرِيعُ هُوَ الْمَقْصُودُ مِنَ الْبَيَانِ وَمَا قَبْلَهُ تَمْهِيدٌ لَهُ ، وَتَمْثِيلٌ لِأَحْوَالٍ عَجِيبَةٍ بِأَقْرَبِ مَا يَفْهَمُهُ النَّاسُ لِقَصْدِ بَيَانِ إِمْكَانِ تَلَقِّي الْوَحْيِ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى إِذْ كَانَ الْمُشْرِكُونَ يُحِيلُونَهُ فَبَيَّنَ لَهُمْ إِمْكَانَ الْوَحْيِ بِوَصْفِ طَرِيقِ الْوَحْيِ إِجْمَالًا ، وَهَذِهِ كَيْفِيَّةٌ مِنْ صُوَرِ الْوَحْيِ .
وَضَمِيرُ أَوْحَى عَائِدٌ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى الْمَعْلُومِ مِنْ قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=4إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى كَمَا تَقَدَّمَ ، وَالْمَعْنَى : فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ
مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - .
وَهَذَا كَافٍ فِي هَذَا الْمَقَامِ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إِثْبَاتُ الْإِيحَاءِ لِإِبْطَالِ إِنْكَارِهِمْ إِيَّاهُ .
وَإِيثَارُ التَّعْبِيرِ عَنِ النَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعُنْوَانِ عَبْدِهِ إِظْهَارٌ فِي مَقَامِ الْإِضْمَارِ فِي اخْتِصَاصِ الْإِضَافَةِ إِلَى ضَمِيرِ الْجَلَالَةِ مِنَ التَّشْرِيفِ .
وَفِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=10مَا أَوْحَى إِيهَامٌ لِتَفْخِيمِ مَا أَوْحَى إِلَيْهِ .