ومما يشابه هذا ما قاله الواحدي في شرح قول في المتنبي سيف الدولة :
وقفت وما في الموت شك لواقف كأنك في جفن الردى وهو نائم تمر بك الأبطال كلمى هزيمة
ووجهك وضاح وثغرك باسم
كأني لم أركب جوادا للذة ولم أتبطن كاعبا ذات خلخال
ولم أسبإ الزق الروي ولم أقل لخيلي كري كرة بعد إجفال
ولو أن أبا الطيب شعر بهذه الآية لذكرها لسيف الدولة فكانت له أقوى حجة من تأويله شعر امرئ القيس .
وفي جملة وأن عليه النشأة تحقيق لفعله إياها شبها بالحق الواجب على المحقوق به بحيث لا يتخلف فكأنه حق واجب ؛ لأن الله وعد بحصوله بما اقتضته الحكمة الإلهية لظهور أن الله لا يكرهه شيء ، فالمعنى : أن الله أراد النشأة الأخرى كقوله تعالى كتب على نفسه الرحمة ليجمعنكم إلى يوم القيامة .
والنشأة : المرة من الإنشاء ، أي الإيجاد والخلق .
والأخرى : مؤنث الأخير ، أي : النشأة التي لا نشأة بعدها ، وهي مقابل النشأة [ ص: 149 ] الأولى التي يتضمنها قوله تعالى وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى . وهذه المقابلة هي مناسبة ذكر هذه النشأة الأخرى .
وقرأ الجمهور النشأة بوزن الفعلة وهو اسم مصدر أنشأ ، وليس مصدرا ، إذ ليس نشأ المجرد بمتعد وإنما يقال : أنشأ .
وقرأها ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب ( النشاءة ) بألف بعد الشين المفتوحة بوزن الفعالة وهو من أوزان المصادر لكنه مقيس في مصدر الفعل المضموم العين في الماضي نحو الجزالة والفصاحة . ولذلك فالنشاءة بالمد مصدر سماعي مثل الكآبة . ولعل مدتها من قبيل الإشباع مثل قول عنترة :
ينباع من ذفرى غضوب جسرة
، أي : ينبع .وتقديم الخبر على اسم " أن " للاهتمام بالتحقيق الذي أفادته ( على ) تنبيها على زيادة تحقيقه بعد أن حقق بما في ( أن ) من التوكيد .