أفرأيتم النار التي تورون أأنتم أنشأتم شجرتها أم نحن المنشئون هو مثل سابقه في نظم الكلام .
ومناسبة الانتقال من الاستدلال بخلق الماء إلى الاستدلال بخلق النار هي ما تقدم في مناسبة الانتقال إلى خلق الماء من الاستدلال بخلق الزرع والشجر ، فإن النار تخرج من الشجر بالاقتداح وتذكى بالشجر في الاشتعال والالتهاب .
وهذا الاستدلال على تقريب كيفية الإحياء للبعث من حيث إن الاقتداح إخراج والزند الذي به إيقاد النار يخرج من أعواد الاقتداح وهي ميتة .
[ ص: 326 ] وفي قوله التي تورون إدماج للامتنان في الاستدلال بما تقدم في قوله أفرأيتم الماء الذي تشربون .
وهو أيضا وصف للمقصود من الدليل وهو النار التي تقتدح من الزند لا النار الملتهبة . وضمير شجرتها عائد إلى النار .
وشجرة النار : هي جنس الشجر الذي فيه حراق ، أي ما يقتدح منه النار وهو شجر الزند أو الزناد وأشجار النار كثيرة منها المرخ ( بفتح فسكون ) والعفار ( بفتح العين ) والعشر ( بضم ففتح ) والكلخ ( بفتح فسكون ) ومن الأمثال : " في كل شجر نار ، واستمجد المرخ والعفار " أي أكثر من النار .
وتورون : مضارع أورى الزند إذا حكه بمثله يستخرج منه النار كانوا يضعون عودا من شجر النار ويحكونه من أعلاه بعود مثله فتخرج النار من العود الأسفل ويسمى العود الأعلى ( زندا بفتح الزاي وسكون النون وزنادا ( بكسر الزاي ) ويسمى الأسفل زندة بهاء تأنيث في آخره ، شبهوا العود الأعلى بالفحل وشبهوا العود الأسفل بالطروقة وقد تابع هذا المعنى في وصفه الاقتداح للنار فقال على شبه الألغاز : وسقط كعين الديك عاورت صاحبي أباها وهيأنا لموقعها وكرا مشهرة لا تمكن الفحل أمها ذو الرمة
إذا نحن لم نمسك بأطرافها قسرا
وحذف العائد على الموصول لأن ضمير النصب يكثر حذفه من الصلة ، وتقديره : التي تورونها .
وتعدية تورون إلى ضمير النار تعدية على تقدير مضاف ، أي تورون شجرتها كما دل عليه قوله أأنتم أنشأتم شجرتها ، قد شاع هذا الحذف في الكلام فقالوا : أورى النار كما قالوا أورى الزناد .
وجملة أأنتم أنشأتم شجرتها إلخ بيان لجملة أفرأيتم النار إلخ كما تقدم في قوله أأنتم تخلقونه .