فضمير " إن كان " عائد إلى ما عاد إليه ضمير " إليه " من قوله ونحن أقرب إليه منكم .
والمقربون هم السابقون الذين تقدم ذكرهم في قوله تعالى والسابقون السابقون أولئك المقربون وأصحاب اليمين قد تقدم . والمكذبون الضالون : هم أصحاب الشمال المتقدم ذكرهم .
وقد ذكر لكل صنف من هؤلاء جزاء لم يذكر له فيما تقدم ليضم إلى ما أعد له فيما تقدم على طريقة القرآن في توزيع القصة .
والروح : بفتح الراء في قراءة الجمهور ، وهو الراحة ، أي فروح له ، أي هو في راحة ونعيم ، وتقدم في قوله ولا تيأسوا من روح الله في سورة يوسف . وقرأه رويس عن يعقوب بضم الراء . ورويت هذه القراءة عن عائشة عن النبيء - صلى الله عليه وسلم - عند أبي داود ، ، والترمذي أي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - روي عنه الوجهان ، فالمشهور روي متواترا ، والآخر روي متواترا وبالآحاد ، وكلاهما مراد . والنسائي ،
ومعنى الآية على قراءة ضم الراء : أن روحه معها الريحان وهو الطيب وجنة النعيم . وقد ورد في حديث آخر : أن . وقيل : أطلق الروح بضم الراء على الرحمة لأن من كان في رحمة الله فهو الحي حقا ، فهو [ ص: 348 ] ذو روح ، أما من كان في العذاب فحياته أقل من الموت ، فقال تعالى روح المؤمن تخرج طيبة لا يموت فيها ولا يحيا ، أي لأنه يتمنى الموت فلا يجده .
والريحان : شجر لورقه وقضبانه رائحة ذكية شديد الخضرة كانت الأمم تزين به مجالس الشراب . قال الحريري : وطورا يستبزل الدنان ، ومرة يستنشق الريحان وكانت ملوك العرب تتخذه ، قال النابغة :
يحيون بالريحان يوم السباسب
وتقدم عند قوله تعالى والحب ذو العصف والريحان في سورة الرحمن فتخصيصه بالذكر قبل ذكر الجنة التي تحتوي عليه إيماء إلى كرامتهم عند الله ، مثل قوله والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار .وجملة فروح وريحان جواب أما التي هي بمعنى : مهما يكن شيء . وفصل بين " ما " المتضمنة معنى اسم شرط وبين فعل شرط وبين الجواب بشرط آخر هو إن كان من المقربين لأن الاستعمال جرى على لزوم الفصل بين ( أما ) وجوابها بفاصل كراهية اتصال فاء الجواب بأداة الشرط لما التزموا حذف فعل الشرط فأقاموا مقامه فاصلا كيف كان .
وجواب ( إن ) الشرطية محذوف أغنى عنه جواب ( أما ) .
وكذلك قوله فسلام لك من أصحاب اليمين .
والسلام : اسم للسلامة من المكروه ، ويطلق على التحية ، واللام في قوله لك للاختصاص . والكلام إجمال للتنويه بهم وعلو مرتبتهم وخلاصهم من المكدرات لتذهب نفس السامع كل مذهب .
واختلف المفسرون في قوله فسلام لك من أصحاب اليمين فقيل : كاف الخطاب موجهة لغير معين ، أي : لكل من يسمع هذا الخبر . والمعنى : أن السلامة الحاصلة لأصحاب اليمين تسر من يبلغه أمرها . وهذا كما يقال : [ ص: 349 ] ناهيك به ، وحسبك به ، و ( من ) ابتدائية ، واللفظ جرى مجرى المثل فطوي منه بعضه ، وأصله : فلهم السلامة سلامة تسر من بلغه حديثها .
وقيل : الخطاب للنبيء - صلى الله عليه وسلم - وتقرير المعنى كما تقدم لأن النبيء - صلى الله عليه وسلم - يسر بما يناله أهل الإسلام من الكرامة عند الله وهم ممن شملهم لفظ أصحاب اليمين . وقيل : الكلام على تقدير القول ، أي فيقال له : سلام لك ، أي : تقول له الملائكة .
و من أصحاب اليمين خبر مبتدأ محذوف ، أي : أنت من أصحاب اليمين ، و " من " على هذا تبعيضية ، فهي بشارة للمخاطب عند البعث على نحو قوله تعالى والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار .
وقيل : الكاف خطاب لمن كان من أصحاب اليمين على طريقة الالتفات . ومقتضى الظاهر أن يقال : فسلام له ، فعدل إلى الخطاب لاستحضار تلك الحالة الشريفة ، أي فيسلم عليه أصحاب اليمين على نحو قوله تعالى وتحيتهم فيها سلام أي يبادرونه بالسلام ، وهذا كناية عن كونه من أهل منزلتهم ، و ( من ) على هذا ابتدائية .
فهذه محامل لهذه الآية يستخلص من مجموعها معنى الرفعة والكرامة .
والمكذبون الضالون : هم أصحاب الشمال في القسم السابق إلى أزواج ثلاثة .
وقدم هنا وصف التكذيب على وصف الضلال عكس ما تقدم في قوله ثم إنكم أيها الضالون المكذبون لمراعاة سبب ما نالهم من العذاب وهو التكذيب ، لأن الكلام هنا على عذاب قد حان حينه وفات وقت الحذر منه فبين سبب عذابهم وذكروا بالذي أوقعهم في سببه ليحصل لهم ألم التندم .
والنزل : ما يقدم للضيف من القرى ، وإطلاقه هنا تهكم ، كما تقدم قريبا في هذه السورة كقوله تعالى هذا نزلهم يوم الدين .
[ ص: 350 ] والتصلية : مصدر صلاه المشدد ، إذ أحرقه وشواه ، يقال : صلى اللحم تصلية ، إذا شواه ، وهو هنا من الكلام الموجه لإيهامه له يصلى له الشواء في نزله على طريقة التهكم ، أي يحرق بها .
والجحيم : يطلق على النار المؤججة ، ويطلق علما على جهنم دار العذاب الآخرة .