[ ص: 377 ] من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له وله أجر كريم موقع هذه الجملة موقع التعليل والبيان لجملة وكلا وعد الله الحسنى .
وما بينهما اعتراض ، والمعنى : أن مثل المنفق في سبيل الله كمثل من يقرض الله ومثل الله تعالى في جزائه كمثل المستسلف مع من أحسن قرضه وأحسن في دفعه إليه .
و ( من ) استفهامية كما هو شأنها إذا دخلت على اسم الإشارة والموصول و " الذي يقرض " خبرها ، و ( ذا ) معترضة لاستحضار حال المقترض بمنزلة الشخص الحاضر القريب .
وعن الفراء : ( ذا ) صلة ، أي : زائدة لمجرد التأكيد مثل ما قاله كثير من النحاة : إن ( ذا ) في ( ماذا ) ملغاة ، قال الفراء : رأيتها في مصحف عبد الله " منذا الذي " والنون موصولة بالذال اهـ .
والاستفهام مستعمل في معنى التحريض مجازا لأن شأن المحرض على الفعل أن يبحث عمن يفعله ويتطلب تعيينه لينوطه به أو يجازيه عليه .
والقرض الحسن : هو القرض المستكمل محاسن نوعه من كونه عن طيب نفس وبشاشة في وجه المستقرض ، وخلو عن كل ما يعرض بالمنة أو بتضييق أجل القضاء . والمشبه هنا بالقرض الحسن هو الإنفاق في سبيل الله المنهي عن تركه في قوله وما لكم ألا تنفقوا في سبيل الله .
وقرأ الجمهور فيضاعفه بألف بعد الضاد . وقرأه ابن كثير ، وابن عامر ، ويعقوب ( فيضعفه ) بدون ألف وبتشديد العين .
والفاء في جملة " فيضاعفه له " فاء السببية لأن المضاعفة مسببة على القرض . وقرأ الجمهور فعل " يضاعفه " مرفوعا على اعتباره معطوفا على " يقرض " .
والمعنى : التحريض على الإقراض وتحصيل المضاعفة لأن الإقراض سبب [ ص: 378 ] المضاعفة فالعمل لحصول الإقراض كأنه عمل لحصول المضاعفة .
أو على اعتبار مبتدأ محذوف لتكون الجملة اسمية في التقدير فيقع الخبر الفعلي بعد المبتدأ مفيدا تقوية الخبر وتأكيد حصوله ، واعتبار هذه الجملة جوابا ل ( من ) الموصولة بإشراب الموصول معنى الشرط وهو إشراب كثير في القرآن .
وقرأه حفص عن عاصم ، وابن عامر ، ويعقوب ( كل على قراءته ) بالنصب على جواب الاستفهام .
ومعنى وله أجر كريم : أن له أنفس جنس الأجور لأن الكريم في كل شيء هو النفيس ، كما تقدم في قوله تعالى إني ألقي إلي كتاب كريم في سورة النمل . وجعل الأجر الكريم مقابل القرض الحسن فقوبل بهذا موصوف وصفته بمثلها . والمضاعفة : مماثلة الأقدار ، فالمعنى : يعطيه مثلي قرضه .
والمراد هنا مضاعفته أضعافا كثيرة كما قال مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل الآية في سورة البقرة .
وقال من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة وضمير النصب في يضاعفه عائد إلى القرض الحسن ، والكلام على حذف مضاف تقديره : فيضاعف جزاءه له . لأن القرض هنا تمثيل بحال السلف المتعارف بين الناس فيكون تضعيفه مثل تضعيف مال السلف وذلك قبل تحريم الربا .
والأجر : ما زاد على قضاء القرض من عطية يسديها المستسلف إلى من سلفه عندما يجد سعة ، وهو الذي قال فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وقال تعالى خيركم أحسنكم قضاء وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما .
والظاهر أن هذا الأجر هو المغفرة كما في قوله تعالى إن تقرضوا الله قرضا حسنا يضاعفه لكم ويغفر لكم والله شكور حليم في سورة التغابن . وهذا يشمل الإنفاق في الصدقات قال تعالى إن المصدقين والمصدقات وأقرضوا الله قرضا حسنا يضاعف لهم ولهم أجر كريم [ ص: 379 ] وهو ما فسره قول النبيء - صلى الله عليه وسلم - ، أي : زيادة على مضاعفتها مثل الحسنات كلها . والصدقة تطفئ الخطايا كما يطفئ الماء النار