ومن يتول فإن الله الغني الحميد الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل يجوز أن يكون " الذين يبخلون " ابتداء كلام على الاستئناف لأن الكلام الذي قبله ختم بالتذييل بقوله والله لا يحب كل مختال فخور فيكون " الذين يبخلون " مبتدأ وخبره محذوفا يدل عليه جواب الشرط وهو فإن الله الغني الحميد . والتقدير : فإن الله غني عنهم وحامد للمنفقين .
ويجوز أن يكون متصلا بما قبله على طريقة التخلص فيكون الذين يبخلون بدلا من كل مختال فخور ، أو خبرا لمبتدأ محذوف هو ضمير كل مختال فخور . تقديره : هم الذين يبخلون ، وعلى هذا الاحتمال الأخير فهو من حذف المسند إليه اتباعا للاستعمال كما سماه السكاكي ، وفيه وجوه أخر لا نطول بها .
والمراد بـ " الذين يبخلون " : المنافقون ، وقد وصفهم الله بمثل هذه الصلة في سورة النساء ، وأمرهم الناس بالبخل هو الذي حكاه الله عنهم بقوله هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا ، أي : على المؤمنين .
وجملة ومن يتول فإن الله الغني الحميد تذييل لأن " من يتول " يعم الذين يبخلون وغيرهم فإن الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل أي : في سبيل الله وفي النفقات الواجبة قد تولوا عن أمر الله و ( من ) شرطية عامة .
[ ص: 414 ] وجملة فإن الله الغني الحميد قائمة مقام جواب الشرط لأن مضمونها علة للجواب ، فالتقدير : ومن يتول فلا يضر الله شيئا ولا يضر الفقير لأن الله غني عن مال المتولين ، ولأن له عبادا يطيعون أمره فيحمدهم .
والغني : الموصوف بالغنى ، أي : عدم الاحتياج . ولما لم يذكر له متعلق كان مفيدا الغنى العام .
والحميد : وصف مبالغة ، أي : كثير الحمد للمنفقين على نحو قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا من يرتدد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه الآية .
ووصفه بـ " الحميد " هنا نظير وصفه بـ " الشكور " في قوله إن تقرضوا الله قرضا حسنا يضاعفه لكم ويغفر لكم والله شكور حليم ، فإن فيكون فعيلا بمعنى مفعول ، وصالح لمعنى كثير الحمد ، فيكون من أمثلة المبالغة لأن الله يثيب على فعل الخير ثوابا جزيلا ويثني على فاعله ثناء جميلا فكان بذلك كثير الحمد . وقد حمله على كلا المعنيين اسمه " الحميد " صالح لمعنى المحمود ابن برجان الإشبيلي في شرحه لأسماء الله الحسنى ووافقه كلام ابن العربي في أحكام القرآن في سورة الأعراف ، وهو الحق . وقصره في المقصد الأسنى على معنى المحمود . الغزالي
وقرأ نافع ، وابن عامر ، وأبو جعفر فإن الله الغني الحميد بدون ضمير فصل ، وكذلك هو مرسوم في مصحف المدينة ومصحف الشام . وقرأه الباقون فإن الله هو الغني الحميد بضمير فصل بعد اسم الجلالة وكذلك هو مرسوم في مصاحف مكة والبصرة والكوفة ، فهما روايتان متواترتان .
[ ص: 415 ] والجملة مفيدة للقصر بدون ضمير فصل لأن تعريف المسند إليه والمسند من طرق القصر ، فالقراءة بضمير الفصل تفيد تأكيد القصر .