إن هذا لهو القصص الحق وما من إله إلا الله وإن الله لهو العزيز الحكيم فإن تولوا فإن الله عليم بالمفسدين .
جملة إن هذا لهو القصص الحق وما عطف عليها بالواو اعتراض لبيان ما اقتضاه قوله " الكاذبين " لأنهم نفوا أن يكون عيسى عبدا لله ، وزعموا أنه غلب ، فإثبات أنه عبد هو الحق .
واسم الإشارة راجع إلى ما ذكر من نفي الإلهية عن عيسى .
[ ص: 267 ] والضمير في قوله لهو القصص ضمير فصل ، ودخلت عليه لام الابتداء لزيادة التقوية التي أفادها ضمير الفصل ; لأن اللام وحدها مفيدة تقوية الخبر ، وضمير الفصل يفيد القصر ، أي هذا القصص لا ما تقصه كتب النصارى وعقائدهم .
و القصص بفتح القاف والصاد اسم لما يقص ، يقال : قص الخبر قصا : إذا أخبر به ، والقص أخص من الإخبار ; فإن القص إخبار بخبر فيه طول وتفصيل وتسمى الحادثة التي من شأنها أن يخبر بها - قصة بكسر القاف أي مقصوصة أي مما يقصها القصاص ، ويقال للذي ينتصب لتحديث الناس بأخبار الماضين قصاص بفتح القاف . فالقصص اسم لما يقص ، قال تعالى : نحن نقص عليك أحسن القصص وقيل : هو اسم مصدر وليس هو مصدرا ، ومن جرى على لسانه من أهل اللغة أنه مصدر فذلك تسامح من تسامح الأقدمين ، فالقص بالإدغام مصدر ، والقصص بالفك اسم للمصدر واسم للخبر المقصوص .
وقوله : وما من إله إلا الله تأكيد لحقية هذا القصص . ودخلت " من " الزائدة بعد حرف النفي تنصيصا على قصد نفي الجنس لتدل الجملة على التوحيد ونفي الشريك بالصراحة ودلالة المطابقة ، وأن ليس المراد نفي الوحدة عن غير الله ، فيوهم أنه قد يكون إلاهان أو أكثر في شق آخر ، وإن كان هذا يئول إلى نفي الشريك لكن بدلالة الالتزام .
وقوله : وإن الله لهو العزيز الحكيم - فيه ما في قوله : إن هذا لهو القصص الحق فأفاد تقوية الخبر عن الله تعالى بالعزة والحكم ، والمقصود المسيح على حسب اعتقاد المخاطبين من إبطال إلهية النصارى ، فإنهم زعموا أنه قتله اليهود وذلك ذلة وعجز لا يلتئمان مع الإلهية ، فكيف يكون إله وهو غير عزيز وهو محكوم عليه ، وهو أيضا إبطال لإلهيته على اعتقادنا ; لأنه كان محتاجا لإنقاذه من أيدي الظالمين .
وجملة فإن تولوا فإن الله عليم بالمفسدين عطف على قوله فقل تعالوا ، وهذا تسجيل عليهم إذ نكصوا عن المباهلة ، وقد علم بذلك أنهم قصدوا المكابرة ولم يتطلبوا الحق ، روي أنهم لما أبوا المباهلة ، قال لهم النبيء - صلى الله عليه وسلم - فإن أبيتم فأسلموا . فأبوا ، فقال : فإن أبيتم فأعطوا الجزية عن يد ، فأبوا ، فقال لهم : فإني أنبذ إليكم على سواء [ ص: 268 ] أي أترك لكم العهد الذي بيننا ، فقالوا : ما لنا طاقة بحرب العرب ، ولكنا نصالحك على ألا تغزونا ولا تخيفنا ، ولا تردنا عن ديننا على أن نؤدي إليك كل عام ألفي حلة حمراء ألفا في صفر وألفا في رجب وثلاثين درعا عادية من حديد ، وطلبوا منه أن يبعث معهم رجلا أمينا يحكم بينهم ، فقال : لأبعثن معكم أمينا حق أمين ، فبعث معهم - رضي الله عنه - أبا عبيدة بن الجراح ، ولم أقف على ما دعاهم إلى طلب أمين ولا على مقدار المدة التي مكث فيها أبو عبيدة بينهم .