كمثل الذين من قبلهم قريبا ذاقوا وبال أمرهم ولهم عذاب أليم .
خبر مبتدأ محذوف دل عليه هذا الخبر ، فالتقدير : مثلهم كمثل الذين من قبلهم قريبا ، أي . حال أهل الكتاب الموعود بنصر المنافقين كحال الذين من قبلهم قريبا
والمراد : أن حالهم المركبة من التظاهر بالبأس مع إضمار الخوف من المسلمين ، ومن التفرق بينهم وبين إخوانهم من أهل الكتاب ، ومن خذلان المنافقين إياهم عند الحاجة ، ومن أنهم لا يقاتلون المسلمين إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر ، كحال الذين كانوا من قبلهم في زمن قريب وهم بنو النضير فإنهم أظهروا الاستعداد للحرب وأبوا الجلاء ، فلم يحاربوا إلا في قريتهم إذ حصنوها وقبعوا فيها حتى أعياهم الحصار فاضطروا إلى الجلاء ولم ينفعهم المنافقون ولا إخوانهم من أهل الكتاب .
[ ص: 108 ] وعن مجاهد أن الذين من قبلهم المشركون يوم بدر .
و ( من ) زائدة لتأكيد ارتباط الظرف بعامله .
وانتصب ( قريبا ) على الظرفية متعلقا بالكون المضمر في قوله ( كمثل ) ، أي كحال كائن قريب ، أو انتصب على الحال ( من الذين ) أي القوم القريب منهم ، كقوله وما قوم لوط منكم ببعيد .
والوبال أصله : وخامة المرعى المستلذ به للماشية يقال : كلأ وبيل ، إذا كان مرعى خضرا ( حلوا ) تهش إليه الإبل فيحبطها ويمرضها أو يقتلها ، فشبهوا في إقدامهم على حرب المسلمين مع الجهل بعاقبة تلك الحرب بإبل ترامت على مرعى وبيل فهلكت وأثبت الذوق على طريقة المكنية وتخييلها ، فكان ذكر ذاقوا مع وبال إشارة إلى هذه الاستعارة .
و ( أمرهم ) شأنهم وما دبروه وحسبوا له حسابه وذلك أنهم أوقعوا أنفسهم في الجلاء وترك الديار وما فيها ، أي ذاقوا سوء أعمالهم في الدنيا .
وضمير ( ولهم عذاب أليم ) عائد إلى الذين من قبلهم أي زيادة على ما ذاقوه من عذاب الدنيا بالجلاء وما فيه من مشقة على الأنفس والأجساد لهم عذاب أليم في الآخرة على الكفر .