الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداء ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء وودوا لو تكفرون تفيد هذه الجملة معنى التعليل لمفاد قوله تعالى فقد ضل سواء السبيل باعتبار بعض ما أفادته الجملة ، وهو الضلال عن الرشد ، فإنه قد يخفى ويظن أن في تطلب مودة العدو فائدة ، كما هو حال المنافقين المحكي في قوله تعالى الذين يتربصون بكم فإن كان لكم فتح من الله قالوا ألم نكن معكم وإن كان للكافرين نصيب قالوا ألم نستحوذ عليكم ونمنعكم من المؤمنين ، فقد يظن أن موالاتهم من الدهاء والحزم رجاء نفعهم إن دالت لهم الدولة ، فبين الله لهم خطأ هذا الظن ، وأنهم إن استفادوا من مودتهم إياهم إطلاعا على قوتهم فتأهبوا لهم وظفروا بهم لم يكونوا ليرقبوا فيهم إلا ولا ذمة ، وأنهم لو أخذوهم وتمكنوا منهم لكانوا أعداء لهم لأن الذي أضمر العداوة زمنا يعسر أن ينقلب ودودا ، وذلك لشدة الحنق على ما لقوا من المسلمين من إبطال دين الشرك وتحقير أهله وأصنامهم .

وفعل ( يكونوا ) مشعر بأن عداوتهم قديمة وأنها تستمر .

[ ص: 140 ] والبسط : مستعار للإكثار لما شاع من تشبيه الكثير بالواسع والطويل ، وتشبيه ضده وهو القبض بضد ذلك ، فبسط اليد الإكثار من عملها .

والمراد به هنا : عمل اليد الذي يضر مثل الضرب والتقييد والطعن ، وعمل اللسان الذي يؤذي مثل الشتم والتهكم ، ودل على ذلك قوله ( بالسوء ) ، فهو متعلق بـ ( يبسطوا ) الذي مفعوله أيديهم وألسنتهم .

وجملة وودوا لو تكفرون حال من ضمير ( يكونوا ) ، والواو واو الحال ، أي وهم قد ودوا من الآن أن تكفروا فكيف لو يأسرونكم أليس أهم شيء عندهم حينئذ أن يردوكم كفارا ، فجملة الحال دليل على معطوف مقدر على جواب الشرط كأنه قيل : إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداء إلى آخره ، ويردوكم كفارا ، وليست جملة وودوا لو تكفرون معطوفة على جملة الجواب ، لأن محبتهم أن يكفر المسلمون محبة غير مقيدة بالشرط ، ولذلك وقع فعل ( ودوا ) ماضيا ولم يقع مضارعا مثل الأفعال الثلاثة قبله يثقفوكم ، ويكونوا لكم أعداء ، ويبسطوا ليعلم أنه ليس معطوفا على جواب الشرط .

وهذا الوجه أحسن مما في كتاب الإيضاح للقزويني في بحث تقييد المسند بالشرط ، إذ استظهر أن يكون وودوا لو تكفرون عطفا على جملة إن يثقفوكم .

ونظره بجملة ثم لا ينصرون من قوله تعالى وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار ثم لا ينصرون في آل عمران . فإن المعطوف بـ ( ثم ) فيها عطف على مجموع الشرط وفعله وجوابه لا على جملة فعل الشرط .

و ( لو ) هنا مصدرية ففعل ( تكفرون ) مؤول بمصدر ، أي ودوا كفركم .

التالي السابق


الخدمات العلمية