وما أملك لك من الله من شيء إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك .
الأظهر أن هذه الجملة معترضة بين جمل حكاية مقال إبراهيم والذين معه وجملة ( لقد كان لكم فيهم إسوة حسنة ) ، والاستثناء منقطع إذ ليس هذا القول من جنس قولهم إنا برآء منكم إلخ ، فإن إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك رفق بأبيه وهو يغاير التبرؤ منه ، فكان الاستثناء في معنى الاستدراك عن قوله قول إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم الشامل لمقالة إبراهيم معهم لاختلاف جنسي القولين .
قال في الكشاف في قوله تعالى قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين إلا آل لوط في سورة الشعراء . أنه استثناء منقطع من ( قوم ) لأن القوم موصوفون بالإجرام فاختلف لذلك الجنسان اهـ . فجعل اختلاف جنسي المستثنى والمستثنى منه موجبا اعتبار الاستثناء منقطعا . وفائدة الاستدراك هنا التعريض بخطأ أي إن كنتم معتذرين فليكن عذركم في مواصلة أعداء الله بأن تودوا لهم مغفرة كفرهم باستدعاء سبب المغفرة وهو أن يهديهم الله إلى [ ص: 146 ] الدين الحق كما قال حاطب بن أبي بلتعة ، إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك ، ولا يكون ذلك بمصانعة لا يفهمون منها أنهم منكم بمحل المودة والعناية فيزدادوا تعنتا في كفرهم .
وحكاية قول إبراهيم لأبيه وما أملك لك من الله من شيء إكمال لجملة ما قاله إبراهيم لأبيه وإن كان المقصود من الاستثناء مجرد وعده بالاستغفار له فبني عليه ما هو من بقية كلامه لما فيه من الدلالة على أن الاستغفار له قد لا يقبله الله .
والواو في وما أملك لك من الله من شيء يجوز أن يكون للحال أو للعطف . والمعنى متقارب ، ومعنى الحال أوضح وهو تذييل .
ومعنى الملك في قوله ( وما أملك ) القدرة ، وتقدم في قوله تعالى قل فمن يملك من الله شيئا في سورة العقود .
و ( من شيء ) عام للمغفرة المسؤولة وغيرها مما يريده الله به .