nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=5nindex.php?page=treesubj&link=29032_32416_31923وإذ قال موسى لقومه يا قوم لم تؤذونني وقد تعلمون أني رسول الله إليكم فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم والله لا يهدي القوم الفاسقين .
[ ص: 177 ] موقع هذه الآية هنا خفي المناسبة . فيجوز أن تكون الجملة معترضة استئنافا ابتدائيا انتقل به من النهي عن عدم الوفاء بما وعدوا الله عليه إلى التعريض بقوم آذوا النبيء - صلى الله عليه وسلم - بالقول أو بالعصيان أو نحو ذلك ، فيكون الكلام موجها إلى المنافقين ، فقد وسموا بأذى الرسول - صلى الله عليه وسلم - قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=57إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة الآية . وقوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=61والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم وقوله " ومنهم الذين يؤذون النبيء ويقولون هو أذن " .
وعلى هذا الوجه فهو اقتضاب نقل به الكلام من الغرض الذي قبله لتمامه إلى هذا الغرض ، أو تكون مناسبة وقعه في هذا الموقع حدوث سبب اقتضى نزوله من أذى قد حدث لم يطلع عليه المفسرون ورواة الأخبار وأسباب النزول .
والواو على هذا الوجه عطف غرض على غرض . وهو المسمى بعطف قصة على قصة .
ويجوز أن يكون من تتمة الكلام الذي قبلها ضرب الله مثلا للمسلمين لتحذيرهم من إتيان ما يؤذي رسوله - صلى الله عليه وسلم - ويسوءه من الخروج عن جادة الكمال الديني مثل عدم الوفاء بوعدهم في الإتيان بأحب الأعمال إلى الله تعالى . وأشفقهم من أن يكون ذلك سببا للزيغ والضلال كما حدث لقوم
موسى لما آذوه .
وعلى هذا الوجه فالمراد بأذى قوم
موسى إياه : عدم توخي طاعته ورضاه ، فيكون ذلك مشيرا إلى ما حكاه الله عنه من قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=21يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين ، إلى قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=24قالوا يا موسى إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون . فإن قولهم ذلك استخفاف يدل لذلك قوله عقبه
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=25قال رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين .
وقد يكون وصفهم في هذه الآية بقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=5والله لا يهدي القوم الفاسقين ناظرا إلى وصفهم بذلك مرتين في آية سورة العقود في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=25فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=26فلا تأس على القوم الفاسقين .
[ ص: 178 ] فيكون المقصود الأهم من القصة هو ما تفرع على ذكرها من قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=5فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم . ويناسب أن تكون هذه الآية تحذيرا من مخالفة أمر الرسول - صلى الله عليه وسلم - وعبرة بما عرض لهم من الهزيمة يوم
أحد لما خالفوا أمره من عدم ثبات الرماة في مكانهم .
وقد تشابهت القصتان في أن القوم فروا يوم
أحد كما فر
قوم موسى يوم أريحا ، وفي أن الرماة الذين أمرهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن لا يبرحوا مكانهم (
nindex.php?page=hadith&LINKID=2002628ولو تخطفنا الطير ) وأن ينضحوا عن الجيش بالنبال خشية أن يأتيه العدو من خلفه لم يفعلوا ما أمرهم به وعصوا أمر أميرهم
nindex.php?page=showalam&ids=4700عبد الله بن جبير وفارقوا موقفهم طلبا للغنيمة فكان ذلك سبب هزيمة المسلمين يوم
أحد .
والواو على هذا الوجه عطف تحذير مأخوذ من قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=5فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم على النهي الذي في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=2لم تقولون ما لا تفعلون الآية .
ويتبع ذلك تسلية الرسول - صلى الله عليه وسلم - على ما حصل من مخالفة الرماة حتى تسببوا في هزيمة الناس .
و ( إذ ) متعلقة بفعل محذوف تقديره : اذكر ، وله نظائر كثيرة في القرآن ، أي اذكر لهم أيضا وقت قول
موسى لقومه أو اذكر لهم مع هذا النهي وقت قول
موسى لقومه .
وابتداء كلام
موسى عليه السلام بـ ( يا قوم ) تعريض بأن شأن قوم الرسول أن يطيعوه بله أن لا يؤذوه . ففي النداء بوصف ( قوم ) تمهيد للإنكار في قوله لم تؤذونني .
والاستفهام للإنكار ، أي إنكار أن يكون للإذاية سبب كما تقدم في قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=2لم تقولون ما لا تفعلون .
وقد جاءت جملة الحال من قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=5وقد تعلمون أني رسول الله مصادفة المحل من الترقي في الإنكار .
و ( من ) لتحقيق معنى الحالية ، أي وعلمكم برسالتي عن الله أمر محقق لما
[ ص: 179 ] شاهدوه من دلائل رسالته ، وكما أكد علمهم بـ ( قد ) أكد حصول المعلوم بـ ( أن ) المفتوحة ، فحصل تأكيدان للرسالة . والمعنى : فكيف لا يجري أمركم على وفق هذا العلم .
والإتيان بعد ( قد ) بالمضارع هنا للدلالة على أن علمهم بذلك مجدد بتجدد الآيات والوحي ، وذلك أجدى بدوام امتثاله لأنه لو جيء بفعل المضي لما دل على أكثر من حصول ذلك العلم فيما مضى . ولعله قد طرأ عليه ما يبطله ، وهذا كالمضارع في قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=18قد يعلم الله المعوقين منكم في سورة الأحزاب .
والزيغ : الميل عن الحق ، أي لما خالفوا ما أمرهم رسولهم جعل الله في قلوبهم زيغا ، أي تمكن الزيغ من نفوسهم فلم ينفكوا عن الضلال .
وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=5والله لا يهدي القوم الفاسقين تذييل ، أي وهذه سنة الله في الناس فكان قوم
موسى الذين آذوه من أهل ذلك العموم .
وذكر وصف ( الفاسقين ) جاريا على لفظ ( القوم ) للإيماء إلى الفسوق الذي دخل في مقومات قوميتهم . كما تقدم عند قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=164إن في خلق السماوات والأرض إلى قوله لآيات لقوم يعقلون في البقرة .
فالمعنى : الذين كان الفسوق عن الحق سجية لهم لا يلطف الله بهم ولا يعتني بهم عناية خاصة تسوقهم إلى الهدى ، وإنما هو طوع الأسباب والمناسبات .
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=5nindex.php?page=treesubj&link=29032_32416_31923وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ .
[ ص: 177 ] مَوْقِعُ هَذِهِ الْآيَةِ هُنَا خَفِيُّ الْمُنَاسِبَةِ . فَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْجُمْلَةُ مُعْتَرِضَةً اسْتِئْنَافًا ابْتِدَائِيًّا انْتُقِلَ بِهِ مِنَ النَّهْيِ عَنْ عَدَمِ الْوَفَاءِ بِمَا وَعَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ إِلَى التَّعْرِيضِ بِقَوِمٍ آذَوُا النَّبِيءَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْقَوْلِ أَوْ بِالْعِصْيَانِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ ، فَيَكُونُ الْكَلَامُ مُوَجَّهًا إِلَى الْمُنَافِقِينَ ، فَقَدْ وُسِمُوا بِأَذَى الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَوْلُهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=57إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ الْآيَةَ . وَقَوْلُهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=61وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَقَوْلُهُ " وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيءَ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ " .
وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَهُوَ اقْتِضَابٌ نُقِلَ بِهِ الْكَلَامُ مِنَ الْغَرَضِ الَّذِي قَبْلَهُ لِتَمَامِهِ إِلَى هَذَا الْغَرَضِ ، أَوْ تَكُونُ مُنَاسِبَةُ وَقْعِهِ فِي هَذَا الْمَوْقِعِ حُدُوثَ سَبَبٍ اقْتَضَى نُزُولَهُ مِنْ أَذًى قَدْ حَدَثَ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهِ الْمُفَسِّرُونَ وَرُوَاةُ الْأَخْبَارِ وَأَسْبَابِ النُّزُولِ .
وَالْوَاوُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ عَطْفُ غَرَضٍ عَلَى غَرَضٍ . وَهُوَ الْمُسَمَّى بِعَطْفِ قِصَّةٍ عَلَى قِصَّةٍ .
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ تَتِمَّةِ الْكَلَامِ الَّذِي قَبْلَهَا ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلْمُسْلِمِينَ لِتَحْذِيرِهِمْ مِنْ إِتْيَانِ مَا يُؤْذِي رَسُولَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَسُوءُهُ مِنَ الْخُرُوجِ عَنْ جَادَّةِ الْكَمَالِ الدِّينِيِّ مِثْلِ عَدَمِ الْوَفَاءِ بِوَعْدِهِمْ فِي الْإِتْيَانِ بِأَحَبِّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى . وَأَشْفَقَهُمْ مِنْ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ سَبَبًا لِلزَّيْغِ وَالضَّلَالِ كَمَا حَدَثَ لِقَوْمِ
مُوسَى لَمَّا آذَوْهُ .
وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَالْمُرَادُ بِأَذَى قَوْمِ
مُوسَى إِيَّاهُ : عَدَمُ تَوَخِّي طَاعَتِهِ وَرِضَاهُ ، فَيَكُونُ ذَلِكَ مُشِيرًا إِلَى مَا حَكَاهُ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=21يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ ، إِلَى قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=24قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ . فَإِنَّ قَوْلَهُمْ ذَلِكَ اسْتِخْفَافٌ يَدُلُّ لِذَلِكَ قَوْلُهُ عَقِبَهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=25قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ .
وَقَدْ يَكُونُ وَصْفُهُمْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=5وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ نَاظِرًا إِلَى وَصْفِهِمْ بِذَلِكَ مَرَّتَيْنِ فِي آيَةِ سُورَةِ الْعُقُودِ فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=25فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ وَقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=26فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ .
[ ص: 178 ] فَيَكُونُ الْمَقْصُودُ الْأَهَمُّ مِنَ الْقِصَّةِ هُوَ مَا تَفَرَّعَ عَلَى ذِكْرِهَا مِنْ قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=5فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ . وَيُنَاسِبُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْآيَةُ تَحْذِيرًا مِنْ مُخَالَفَةِ أَمْرِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعِبْرَةً بِمَا عَرَضَ لَهُمْ مِنَ الْهَزِيمَةِ يَوْمَ
أُحُدٍ لَمَّا خَالَفُوا أَمْرَهُ مِنْ عَدَمِ ثَبَاتِ الرُّمَاةِ فِي مَكَانِهِمْ .
وَقَدْ تَشَابَهَتِ الْقِصَّتَانِ فِي أَنَّ الْقَوْمَ فَرُّوا يَوْمَ
أُحُدٍ كَمَا فَرَّ
قَوْمُ مُوسَى يَوْمَ أَرِيحَا ، وَفِي أَنَّ الرُّمَاةَ الَّذِينَ أَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ لَا يَبْرَحُوا مَكَانَهُمْ (
nindex.php?page=hadith&LINKID=2002628وَلَوْ تَخَطَّفَنَا الطَّيْرُ ) وَأَنْ يَنْضَحُوا عَنِ الْجَيْشِ بِالنِّبَالِ خَشْيَةَ أَنْ يَأْتِيَهُ الْعَدُوُّ مِنْ خَلْفِهِ لَمْ يَفْعَلُوا مَا أَمَرَهُمْ بِهِ وَعَصَوْا أَمْرَ أَمِيرِهِمْ
nindex.php?page=showalam&ids=4700عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُبَيْرٍ وَفَارَقُوا مَوْقِفَهُمْ طَلَبًا لِلْغَنِيمَةِ فَكَانَ ذَلِكَ سَبَبَ هَزِيمَةِ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ
أُحُدٍ .
وَالْوَاوُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ عَطْفُ تَحْذِيرٍ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=5فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ عَلَى النَّهْيِ الَّذِي فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=2لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ الْآيَةَ .
وَيَتْبَعُ ذَلِكَ تَسْلِيَةُ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَا حَصَلَ مِنْ مُخَالَفَةِ الرُّمَاةِ حَتَّى تَسَبَّبُوا فِي هَزِيمَةِ النَّاسِ .
وَ ( إِذْ ) مُتَعَلِّقَةٌ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ : اذْكُرْ ، وَلَهُ نَظَائِرُ كَثِيرَةٌ فِي الْقُرْآنِ ، أَيِ اذْكُرْ لَهُمْ أَيْضًا وَقْتَ قَوْلِ
مُوسَى لِقَوْمِهِ أَوِ اذْكُرْ لَهُمْ مَعَ هَذَا النَّهْيِ وَقْتَ قَوْلِ
مُوسَى لِقَوْمِهِ .
وَابْتِدَاءُ كَلَامِ
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ بِـ ( يَا قَوْمِ ) تَعْرِيضٌ بِأَنَّ شَأْنَ قَوْمِ الرَّسُولِ أَنْ يُطِيعُوهُ بَلْهَ أَنْ لَا يُؤْذُوهُ . فَفِي النِّدَاءِ بِوَصْفِ ( قَوْمِ ) تَمْهِيدٌ لِلْإِنْكَارِ فِي قَوْلِهِ لِمَ تُؤْذُونَنِي .
وَالِاسْتِفْهَامُ لِلْإِنْكَارِ ، أَيْ إِنْكَارِ أَنْ يَكُونَ لِلْإِذَايَةِ سَبَبٌ كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=2لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ .
وَقَدْ جَاءَتْ جُمْلَةُ الْحَالِ مِنْ قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=5وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ مُصَادِفَةَ الْمَحَلِّ مِنَ التَّرَقِّي فِي الْإِنْكَارِ .
وَ ( مِنْ ) لِتَحْقِيقِ مَعْنَى الْحَالِيَّةِ ، أَيْ وَعِلْمُكُمْ بِرِسَالَتِي عَنِ اللَّهِ أَمْرٌ مُحَقَّقٌ لِمَا
[ ص: 179 ] شَاهَدُوهُ مِنْ دَلَائِلِ رِسَالَتِهِ ، وَكَمَا أُكِّدَ عِلْمُهُمْ بِـ ( قَدْ ) أُكِّدَ حُصُولُ الْمَعْلُومِ بِـ ( أَنَّ ) الْمَفْتُوحَةِ ، فَحَصَلَ تَأْكِيدَانِ لِلرِّسَالِةِ . وَالْمَعْنَى : فَكَيْفَ لَا يَجْرِي أَمْرُكُمْ عَلَى وَفْقِ هَذَا الْعِلْمِ .
وَالْإِتْيَانُ بَعْدَ ( قَدْ ) بِالْمُضَارِعِ هُنَا لِلدِّلَالَةِ عَلَى أَنَّ عِلْمَهُمْ بِذَلِكَ مُجَدَّدٌ بِتَجَدُّدِ الْآيَاتِ وَالْوَحْيِ ، وَذَلِكَ أَجْدَى بِدَوَامِ امْتِثَالِهِ لِأَنَّهُ لَوْ جِيءَ بِفِعْلِ الْمُضِيَّ لَمَّا دَلَّ عَلَى أَكْثَرِ مِنْ حُصُولِ ذَلِكَ الْعِلْمِ فِيمَا مَضَى . وَلَعَلَّهُ قَدْ طَرَأَ عَلَيْهِ مَا يُبْطِلُهُ ، وَهَذَا كَالْمُضَارِعِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=18قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ فِي سُورَةِ الْأَحْزَابِ .
وَالزَّيْغُ : الْمَيْلُ عَنِ الْحَقِّ ، أَيْ لَمَّا خَالَفُوا مَا أَمَرَهُمْ رَسُولُهُمْ جَعَلَ اللَّهُ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغًا ، أَيْ تَمَكَّنَ الزَّيْغُ مِنْ نُفُوسِهِمْ فَلَمْ يَنْفَكُّوا عَنِ الضَّلَالِ .
وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=5وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ تَذْيِيلٌ ، أَيْ وَهَذِهِ سُنَّةُ اللَّهِ فِي النَّاسِ فَكَانَ قَوْمُ
مُوسَى الَّذِينَ آذَوْهُ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْعُمُومِ .
وَذُكِرَ وَصْفُ ( الْفَاسِقِينَ ) جَارِيًا عَلَى لَفْظِ ( الْقَوْمِ ) لِلْإِيمَاءِ إِلَى الْفُسُوقِ الَّذِي دَخَلَ فِي مُقَوِّمَاتِ قَوْمِيَّتِهِمْ . كَمَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=164إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَى قَوْلِهِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ فِي الْبَقَرَةِ .
فَالْمَعْنَى : الَّذِينَ كَانَ الْفُسُوقُ عَنِ الْحَقِّ سَجِيَّةً لَهُمْ لَا يَلْطُفُ اللَّهُ بِهِمْ وَلَا يَعْتَنِي بِهِمْ عِنَايَةً خَاصَّةً تَسُوقُهُمْ إِلَى الْهُدَى ، وَإِنَّمَا هُوَ طَوْعُ الْأَسْبَابِ وَالْمُنَاسَبَاتِ .