[ ص: 192 ] ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق .
هذا زيادة تحد للمشركين وأحلافهم من أهل الكتاب فيه تقوية لمضمون قوله والله متم نوره ولو كره الكافرون ، وفيه معنى التعليل للجملة التي قبله . فقد أفاد تعريف الجزأين في قوله هو الذي أرسل رسوله قصرا إضافيا لقلب زعم الكافرين أن محمدا - صلى الله عليه وسلم - أتى من قبل نفسه ، أي الله لا غيره أرسل محمدا - صلى الله عليه وسلم - بالهدى ودين الحق . وأن شيئا تولى الله فعله لا يستطيع أحد أن يزيله .
وتعليل ذلك بقوله ليظهره على الدين كله إعلام بأن الله أراد ظهور هذا الدين وانتشاره كيلا يطمعوا أن يناله ما نال دين عيسى عليه السلام من القمع والخفت في أول أمره واستمر زمانا طويلا حتى تنصر قسطنطين سلطان الروم ، فلما أخبر الله بأنه أراد إظهار دين الإسلام على جميع الأديان علم أن أمره لا يزال في ازدياد حتى يتم المراد .
والإظهار : النصر ويطلق على التفضيل والإعلاء المعنوي .
والتعريف في قوله ( على الدين ) تعريف الجنس المفيد للاستغراق ، أي ليعلي هذا الدين الحق على جميع الأديان وينصر أهله على أهل الأديان الأخرى الذين يتعرضون لأهل الإسلام .
ويظهر أن لفظ ( الدين ) مستعمل في كلا معنييه : المعنى الحقيقي وهو الشريعة . والمعنى المجازي وهو أهل الدين كما تقول : دخلت قرية كذا وأكرمتني ، فإظهار الدين على الأديان بكونه أعلى منها تشريعا وآدابا ، وأصلح بجميع الناس لا يخص أمة دون أخرى ولا جيلا دون جيل .
وإظهار أهله على أهل الأديان بنصر أهله على الذين يشاقونهم في مدة ظهوره حتى يتم أمره ويستغني عمن ينصره .
وقد تم وعد الله وظهر هذا الدين وملك أهله أمما كثيرة ثم عرضت عوارض [ ص: 193 ] من تفريط المسلمين في إقامة الدين على وجهه فغلبت عليهم أمم ، فأما الدين فلم يزل عاليا مشهودا له من علماء الأمم المنصفين بأنه أفضل دين للبشر .
وخص المشركون بالذكر هنا إتماما للذين يكرهون إتمام هذا النور ، وظهور هذا الذين على جميع الأديان . ويعلم أن غير المشركين يكرهون ظهور هذا الدين لأنهم أرادوا إطفاء نور الدين لأنهم يكرهون ظهور هذا الدين فحصل في الكلام احتباك .