[ ص: 237 ] ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون .
جملة في موضع العلة لمضمون جملة اتخذوا أيمانهم جنة .
والإشارة إلى مضمون قوله إنهم ساء ما كانوا يعملون ، أي سبب إقدامهم على الأعمال السيئة المتعجب من سوئها ، هو استخفافهم بالأيمان ومراجعتهم الكفر مرة بعد أخرى ، فرسخ الكفر في نفوسهم فتجرأت أنفسهم على الجرائم وضربت بها ، حتى صارت قلوبهم كالمطبوع عليها أن لا يخلص إليها الخير .
فقوله بأنهم آمنوا خبر عن اسم الإشارة . ومعنى الباء السببية . و ثم للتراخي الرتبي فإن إبطال الكفر مع إظهار الإيمان أعظم من الكفر الصريح . وأن كفرهم أرسخ فيهم من إظهار أيمانهم .
ويجوز أن يراد مع ذلك التراخي في الزمن وهو المهلة .
فإسناد فعل آمنوا إليهم مع الإخبار عنهم قبل ذلك بأنهم كاذبون في قولهم نشهد إنك لرسول الله مستعمل في حقيقته ومجازه فإن وشدة الكفر فمنهم من آمنوا لما سمعوا آيات القرآن أو لاحت لهم أنوار من النبيء - صلى الله عليه وسلم - لم تثبت في قلوبهم . مراتب المنافقين متفاوتة في النفاق
ثم رجعوا إلى الكفر للوم أصحابهم عليهم أو لإلقائهم الشك في نفوسهم قال ابن عطية : وقد كان هذا موجودا . فقلت : ولعل الذين تابوا وحسن إسلامهم من هذا الفريق . فهؤلاء إسناد الإيمان إليهم حقيقة .
ومنهم من خالجهم خاطر الإيمان فترددوا وقاربوا أن يؤمنوا ثم نكصوا على أعقابهم فشابه أول حالهم حال المؤمنين حين خطور الإيمان في قلوبهم .
ومنهم من أظهروا الإيمان كذبا وهذا هو الفريق الأكثر . وليس ما أظهروه في شيء من الإيمان وقد قال الله تعالى في مثلهم وكفروا بعد إسلامهم فسماه إسلاما ولم يسمه إيمانا . ومنهم الذين قال الله تعالى فيهم قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا . وإطلاق اسم الإيمان على مثل هذا الفريق مجاز [ ص: 238 ] بعلاقة الصورة وهو كإسناد فعل يحذر في قوله تعالى يحذر المنافقون أن تنزل عليهم سورة الآية ، في سورة ( براءة ) .
وعلى هذا الاعتبار يجوز أن يكون ثم مستعملا في معنييه الأصلي والمجازي على ما يناسب محمل فعل ( آمنوا ) .
ولو حمل المنافقون على واحد معين وهو عبد الله بن أبي جاز أن يكون ابن أبي آمن ثم كفر فيكون إسناد ( آمنوا ) حقيقة وتكون ثم للتراخي في الزمان .
وتفريع فهم لا يفقهون على قوله آمنوا ثم كفروا ، فصار كفرهم بعد الإيمان على الوجوه السابقة سببا في سوء أعمالهم بمقتضى باء السببية ، وسببا في انتفاء إدراكهم الحقائق النظرية بمقتضى فاء التفريع .
والفقه : فهم للحقائق الخفية .
والمعنى : أنهم لا يدركون دلائل الإيمان حتى يعلموا حقيته .