( أم ) للانتقال إلى دليل آخر وهو نفي أن يكون مستند زعمهم عهدا أخذوه على الله لأنفسهم أن يعاملهم يوم القيامة بما يحكمون به لأنفسهم ، فالاستفهام اللازم تقديره بعد ( أم ) إنكاري و ( بالغة ) مؤكدة . وأصل البالغة : الواصلة إلى ما يطلب بها ، وذلك استعارة لمعنى مغلظة ، شبهت بالشيء البالغ إلى نهاية سيره . وذلك كقوله تعالى قل فلله الحجة البالغة .
وقوله ( علينا ) صفة ثانية لـ ( أيمان ) أي أقسمناها لكم لإثبات حقكم علينا .
و إلى يوم القيامة صفة ثالثة ل ( أيمان ) ، أي أيمان مؤبدة لا تحلة منها فحصل من الوصفين أنها عهود مؤكدة ومستمرة طول الدهر ، فليس يوم القيامة منتهى الأخذ بتلك الأيمان بل هو تنصيص على التأييد كما في قوله تعالى ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة في سورة الأحقاف .
ويتعلق إلى يوم القيامة بالاستقرار الذي في الخبر في قوله لكم أيمان ولا [ ص: 95 ] يحسن تعلقه بـ ( بالغة ) تعلق الظرف اللغو ؛ لأنه يصير ( بالغة ) مستعملا في معنى مشهور قريب من الحقيقة ، ومحمل ( بالغة ) على الاستعارة التي ذكرنا أجزل ، وجملة إن لكم لما تحكمون بيان ل ( أيمان ) ، أي أيمان بهذا اللفظ .
ومعنى ما تحكمون تأمرون به دون مراجعة ، يقال : نزلوا على حكم فلان ، أي لم يعينوا طلبة خاصة ولكنهم وكلوا تعيين حقهم إلى فلان ، قال خطاب أو حطان بن المعلى :
أنزلني الدهر على حكمـه من شامخ عال إلى خفض
أي دون اختيار لي ولا عمل عملته فكأنني حكمت الدهر فأنزلني من معاقلي وتصرف في كما شاء .ومن أقوالهم السائرة مسرى الأمثال " حكمك مسمطا " بضم الميم وفتح السين وفتح الميم الثانية مشددة أي لك حكمك نافذا لا اعتراض عليك فيه .
وقال ابن عثمة :
لك المرباع منها والصفـايا وحكمك والنشيطة والفضول