وإنا لنعلم أن منكم مكذبين وإنه لحسرة على الكافرين هاتان جملتان مرتبطتان ، وأولاهما تمهيد وتوطئة للثانية ، وهي معترضة بين التي قبلها والتي بعدها ، والثانية منهما معطوفة على جملة وإنه لتذكرة للمتقين ، فكان تقديم الجملة الأولى على الثانية اهتماما بتنبيه المكذبين إلى حالهم وكانت أيضا بمنزلة التتميم لجملة وإنه لتذكرة للمتقين .
والمعنى : إنا بعثنا إليكم الرسول بهذا القرآن ونحن نعلم أنه سيكون منكم مكذبون له وبه ، وعلمنا بذلك لم يصرفنا عن توجيه التذكير إليكم وإعادته عليكم ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حيى عن بينة ، فقوبلت صفة القرآن التي تنفع المتقين بصفته التي تضر بالكافرين على طريقة التضاد ، فبين الجملتين المتعاطفتين محسن الطباق .
والحسرة : الندم الشديد المتكرر على شيء فائت مرغوب فيه ، ويقال لها التلهف ، اشتقت من الحسر وهو الكشف ؛ لأن سببها ينكشف لصاحبها بعد فوات إدراكه ولا يزال يعاوده ، فالقرآن حسرة على الكافرين أي سبب حسرة عليهم في الدنيا والآخرة فهو حسرة عليهم في الدنيا ؛ لأنه فضح ترهاتهم ونقض عماد دينهم الباطل وكشف حقارة أصنامهم ، وهو حسرة عليهم في الآخرة ؛ لأنهم يجدون مخالفته سبب عذابهم ، ويقفون على اليقين بأن ما كان يدعوهم إليه هو سبب النجاح لو اتبعوه لا سيما وقد رأوا حسن عاقبة الذين صدقوا به .
والمكذبون : هم الكافرون . وإنما عدل عن الإتيان بضميرهم إلى الاسم الظاهر ؛ لأن الحسرة تعم المكذبين يومئذ والذين سيكفرون به من بعد .