nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=39nindex.php?page=treesubj&link=29041_30340_33679إنا خلقناهم مما يعلمون nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=40فلا أقسم برب المشارق والمغارب إنا لقادرون nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=41على أن نبدل خيرا منهم وما نحن بمسبوقين كلام مستأنف استئنافا ابتدائيا للانتقال من إثبات الجزاء إلى
nindex.php?page=treesubj&link=30340_28760_32688الاحتجاج على إمكان البعث إبطالا لشبهتهم الباعثة على إنكاره ، وهو الإنكار الذي ذكر إجمالا بقوله المتقدم آنفا ( إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا ) فاحتج عليهم بالنشأة الأولى كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=62ولقد علمتم النشأة الأولى فلولا تذكرون فالخبر بقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=39إنا خلقناهم مما يعلمون مستعمل في لازم معناه وهو إثبات إعادة خلقهم بعد فنائهم .
فهذا من تمام الخطاب الموجه إلى النبيء - صلى الله عليه وسلم - والمقصود منه أن يبلغ إلى أسماع المشركين كما تقدم آنفا .
والمعنى : أنا خلقنا الإنسان من نطفة حتى صارت إنسانا عاقلا مناظرا فكذلك نعيد خلقه بكيفية لا يعلمونها .
فماصدق ( ما يعلمون ) هو ما يعلمه كل أحد من أنه كون في بطن أمه من نطفة وعلقة ، ولكنهم علموا هذه النشأة الأولى فألهاهم التعود بها عن التدبر في دلالتها على إمكان إعادة المكون منها بتكوين آخر .
[ ص: 179 ] وعدل عن أن يقال : إنا خلقناهم من نطفة ، كما قال في آيات أخرى
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=2إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج وقال
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=77أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=78وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم ، وغيرها من آيات كثيرة ، عدل عن ذلك إلى الموصول في قوله مما يعلمون توجيها للتهكم بهم إذ جادلوا وعاندوا ، وعلم ما جادلوا فيه قائم بأنفسهم وهم لا يشعرون ، ومنه قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=62ولقد علمتم النشأة الأولى فلولا تذكرون . وكان في قوله تعالى مما يعلمون إيماء إلى أنهم يخلقون الخلق الثاني مما لا يعلمون كما قال في الآية الأخرى
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=36سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون وقال ( وننشئكم فيما لا تعلمون ) فكان في الخلق الأول سر لا يعلمونه .
ومجيء إنا خلقناهم موكدا بحرف التأكيد لتنزيلهم فيما صدر منهم من الشبهة الباطلة منزلة من لا يعلمون أنهم خلقوا من نطفة وكانوا معدومين ، فكيف أحالوا إعادة خلقهم بعد أن عدم بعض أجزائها وبقي بعضها ، ثم أتبع هذه الكناية عن إمكان إعادة الخلق بالتصريح بذلك بقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=40فلا أقسم برب المشارق والمغارب إنا لقادرون nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=41على أن نبدل خيرا منهم مفرعا على قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=39إنا خلقناهم مما يعلمون والتقدير : فإنا لقادرون الآية .
وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=40فلا أقسم برب المشارق إلخ معترضة بين الفاء وما عطفته .
والقسم بالله بعنوان ربوبيته المشارق والمغارب معناه : ربوبيته العالم كله ؛ لأن العالم منحصر في جهات شروق الشمس وغروبها .
وجمع المشارق والمغارب باعتبار تعدد مطالع الشمس ومغاربها في فصول السنة فإن ذلك مظهر عجيب من مظاهر القدرة الإلهية والحكمة الربانية لدلالته على عظيم صنع الله من حيث إنه دال على الحركات الحافة بالشمس التي هي من عظيم المخلوقات ، ولذلك لم يذكر في القرآن قسم بجهة غير المشرق والمغرب دون الشمال والجنوب مع أن الشمال والجنوب جهتان مشهورتان عند العرب . أقسم الله به على سنة أقسام القرآن .
وفي إيثار المشارق والمغارب بالقسم بربها رعي لمناسبة طلوع الشمس بعد غروبها لتمثيل الإحياء بعد الموت .
[ ص: 180 ] وتقدم القول في دخول حرف النفي مع لا أقسم عند قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=38فلا أقسم بما تبصرون nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=39وما لا تبصرون في سورة الحاقة ، وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=75فلا أقسم بمواقع النجوم في سورة الواقعة .
وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=41على أن نبدل خيرا منهم يحتمل معنيين : أولهما وهو المناسب للسياق أن يكون المعنى على أن نبدلهم خيرا منهم ، أي : نبدل ذواتهم خلقا خيرا من خلقهم الذي هم عليه اليوم . والخيرية في الإتقان والسرعة ونحوهما وإنما كان خلقا أتقن من النشأة الأولى ؛ لأنه خلق مناسب لعالم الخلود ، وكان الخلق الأول مناسبا لعالم التغير والفناء ، وعلى هذا الوجه يكون نبدل مضمنا معنى : نعوض ، ويكون المفعول الأول لـ نبدل ضميرا مثل ضمير ( منهم ) أي : نبدلهم والمفعول الثاني خيرا منهم .
و ( من ) تفضيلية ، أي : خيرا في الخلقة ، والتفضيل باعتبار اختلاف زماني الخلق الأول والخلق الثاني ، أو اختلاف عالميهما .
والمعنى الثاني : أن نبدل هؤلاء بخير منهم ، أي : بأمة خير منهم ، والخيرية في الإيمان ، فيكون نبدل على أصل معناه ، ويكون مفعوله محذوفا مثل ما في المعنى الأول ، ويكون خيرا منصوبا على نزع الخافض وهو باء البدلية كقوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=61أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير ، ويكون هذا تهديدا لهم بأن سيستأصلهم ويأتي بقوم آخرين كما قال تعالى (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=19إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد ) وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=38وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم .
وفي هذا تثبيت للنبيء - صلى الله عليه وسلم - وتذكير بأن الله عالم بحالهم .
وذيل بقوله وما نحن بمسبوقين ، والمسبوق مستعار للمغلوب عن أمره ، شبه بالمسبوق في الحلبة ، أو بالمسبوق في السير ، وقد تقدم في قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=21أم حسب الذين اجترحوا السيئات nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=4أن يسبقونا ساء ما يحكمون ، ومنه قول
مرة بن عداء الفقعسي :
كأنك لم تسبق من الدهر مرة إذا أنت أدركت الذي كنت تطلب
يريد : كأنك لم تغلب إذا تداركت أمرك وأدركت طلبتك .
[ ص: 181 ] و ( على أن نبدل أمثالكم ) متعلق بـ ( مسبوقين ) ، أي : ما نحن بعاجزين على ذلك التبديل بأمثالكم كما قال في سورة الواقعة إنا لقادرون على أن نبدل أمثالكم .
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=39nindex.php?page=treesubj&link=29041_30340_33679إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=40فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=41عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْرًا مِنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ كَلَامٌ مُسْتَأْنَفٌ اسْتِئْنَافًا ابْتِدَائِيًّا لِلِانْتِقَالِ مِنْ إِثْبَاتِ الْجَزَاءِ إِلَى
nindex.php?page=treesubj&link=30340_28760_32688الِاحْتِجَاجِ عَلَى إِمْكَانِ الْبَعْثِ إِبْطَالًا لِشُبْهَتِهِمُ الْبَاعِثَةِ عَلَى إِنْكَارِهِ ، وَهُوَ الْإِنْكَارُ الَّذِي ذُكِرَ إِجْمَالًا بِقَوْلِهِ الْمُتَقَدِّمِ آنِفًا ( إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا وَنَرَاهُ قَرِيبًا ) فَاحْتُجَّ عَلَيْهِمْ بِالنَّشْأَةِ الْأُولَى كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=62وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ فَالْخَبَرُ بِقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=39إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ مُسْتَعْمَلٌ فِي لَازِمِ مَعْنَاهُ وَهُوَ إِثْبَاتُ إِعَادَةِ خَلْقِهِمْ بَعْدَ فَنَائِهِمْ .
فَهَذَا مِنْ تَمَامِ الْخِطَابِ الْمُوَجَّهِ إِلَى النَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ أَنْ يَبْلُغَ إِلَى أَسْمَاعِ الْمُشْرِكِينَ كَمَا تَقَدَّمَ آنِفًا .
وَالْمَعْنَى : أَنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ حَتَّى صَارَتْ إِنْسَانًا عَاقِلًا مُنَاظِرًا فَكَذَلِكَ نُعِيدُ خَلْقَهُ بِكَيْفِيَّةٍ لَا يَعْلَمُونَهَا .
فَمَاصَدَقَ ( مَا يَعْلَمُونَ ) هُوَ مَا يَعْلَمُهُ كُلُّ أَحَدٍ مِنْ أَنَّهُ كُوِّنَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ مِنْ نُطْفَةٍ وَعَلَقَةٍ ، وَلَكِنَّهُمْ عَلِمُوا هَذِهِ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَأَلْهَاهُمُ التَّعَوُّدُ بِهَا عَنِ التَّدَبُّرِ فِي دَلَالَتِهَا عَلَى إِمْكَانِ إِعَادَةِ الْمُكَوَّنِ مِنْهَا بِتَكْوِينٍ آخَرَ .
[ ص: 179 ] وَعُدِلَ عَنْ أَنْ يُقَالَ : إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ نُطْفَةٍ ، كَمَا قَالَ فِي آيَاتٍ أُخْرَى
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=2إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ وَقَالَ
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=77أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=78وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ ، وَغَيْرُهَا مِنْ آيَاتٍ كَثِيرَةٍ ، عُدِلَ عَنْ ذَلِكَ إِلَى الْمَوْصُولِ فِي قَوْلِهِ مِمَّا يَعْلَمُونَ تَوْجِيهًا لِلتَّهَكُّمِ بِهِمْ إِذْ جَادَلُوا وَعَانَدُوا ، وَعِلْمُ مَا جَادَلُوا فِيهِ قَائِمٌ بِأَنْفُسِهِمْ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=62وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ . وَكَانَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى مِمَّا يَعْلَمُونَ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّهُمْ يُخْلَقُونَ الْخَلْقَ الثَّانِيَ مِمَّا لَا يَعْلَمُونَ كَمَا قَالَ فِي الْآيَةَ الْأُخْرَى
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=36سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ وَقَالَ ( وَنُنْشِئُكُمْ فِيمَا لَا تَعْلَمُونَ ) فَكَانَ فِي الْخَلْقِ الْأَوَّلِ سِرٌّ لَا يَعْلَمُونَهُ .
وَمَجِيءُ إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مُوَكَّدًا بِحَرْفِ التَّأْكِيدِ لِتَنْزِيلِهِمْ فِيمَا صَدَرَ مِنْهُمْ مِنَ الشُّبْهَةِ الْبَاطِلَةِ مَنْزِلَةَ مَنْ لَا يَعْلَمُونَ أَنَّهُمْ خُلِقُوا مِنْ نُطْفَةٍ وَكَانُوا مَعْدُومِينَ ، فَكَيْفَ أَحَالُوا إِعَادَةَ خَلْقِهِمْ بَعْدَ أَنْ عَدِمَ بَعْضُ أَجْزَائِهَا وَبَقِيَ بَعْضُهَا ، ثُمَّ أَتْبَعَ هَذِهِ الْكِنَايَةَ عَنْ إِمْكَانِ إِعَادَةِ الْخَلْقِ بِالتَّصْرِيحِ بِذَلِكَ بِقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=40فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=41عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْرًا مِنْهُمْ مُفَرَّعًا عَلَى قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=39إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ وَالتَّقْدِيرُ : فَإِنَّا لَقَادِرُونَ الْآيَةَ .
وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=40فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ إِلَخْ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الْفَاءِ وَمَا عَطَفَتْهُ .
وَالْقَسَمُ بِاللَّهِ بِعُنْوَانِ رُبُوبِيَّتِهِ الْمَشَارِقَ وَالْمَغَارِبَ مَعْنَاهُ : رُبُوبِيَّتُهُ الْعَالَمَ كُلَّهُ ؛ لِأَنَّ الْعَالَمَ مُنْحَصِرٌ فِي جِهَاتِ شُرُوقِ الشَّمْسِ وَغُرُوبِهَا .
وَجَمْعُ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ بِاعْتِبَارِ تَعَدُّدِ مَطَالِعِ الشَّمْسِ وَمَغَارِبِهَا فِي فُصُولِ السَّنَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ مَظْهَرٌ عَجِيبٌ مِنْ مَظَاهِرِ الْقُدْرَةِ الْإِلَهِيَّةِ وَالْحِكْمَةِ الرَّبَّانِيَّةِ لِدَلَالَتِهِ عَلَى عَظِيمِ صُنْعِ اللَّهِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ دَالٌّ عَلَى الْحَرَكَاتِ الْحَافَّةِ بِالشَّمْسِ الَّتِي هِيَ مِنْ عَظِيمِ الْمَخْلُوقَاتِ ، وَلِذَلِكَ لَمْ يُذْكَرُ فِي الْقُرْآنِ قَسَمٌ بِجِهَةٍ غَيْرِ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ دُونَ الشَّمَالِ وَالْجَنُوبِ مَعَ أَنَّ الشَّمَالَ وَالْجَنُوبَ جِهَتَانِ مَشْهُورَتَانِ عِنْدَ الْعَرَبِ . أَقْسَمَ اللَّهُ بِهِ عَلَى سُنَّةِ أَقْسَامِ الْقُرْآنِ .
وَفِي إِيثَارِ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ بِالْقَسَمِ بِرَبِّهَا رَعْيٌ لِمُنَاسَبَةِ طُلُوعِ الشَّمْسِ بَعْدَ غُرُوبِهَا لِتَمْثِيلِ الْإِحْيَاءِ بَعْدَ الْمَوْتِ .
[ ص: 180 ] وَتَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي دُخُولِ حَرْفِ النَّفْيِ مَعَ لَا أُقْسِمُ عِنْدَ قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=38فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=39وَمَا لَا تُبْصِرُونَ فِي سُورَةِ الْحَاقَّةِ ، وَقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=75فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ فِي سُورَةِ الْوَاقِعَةِ .
وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=70&ayano=41عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْرًا مِنْهُمْ يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ : أَوَّلَهُمَا وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِلسِّيَاقِ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى عَلَى أَنْ نُبَدِّلَهُمْ خَيْرًا مِنْهُمْ ، أَيْ : نُبَدِّلُ ذَوَاتَهُمْ خَلْقًا خَيْرًا مِنْ خَلْقِهِمُ الَّذِي هُمْ عَلَيْهِ الْيَوْمَ . وَالْخَيْرِيَّةُ فِي الْإِتْقَانِ وَالسُّرْعَةِ وَنَحْوِهِمَا وَإِنَّمَا كَانَ خَلْقًا أُتْقِنَ مِنَ النَّشْأَةِ الْأُولَى ؛ لِأَنَّهُ خَلْقٌ مُنَاسِبٌ لِعَالَمِ الْخُلُودِ ، وَكَانَ الْخَلْقُ الْأَوَّلُ مُنَاسِبًا لِعَالَمِ التَّغَيُّرِ وَالْفَنَاءِ ، وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَكُونُ نُبَدِّلَ مُضَمَّنًا مَعْنَى : نُعَوِّضُ ، وَيَكُونُ الْمَفْعُولُ الْأَوَّلُ لِـ نُبَدِّلَ ضَمِيرًا مِثْلَ ضَمِيرِ ( مِنْهُمْ ) أَيْ : نُبَدِّلُهُمْ وَالْمَفْعُولُ الثَّانِي خَيْرًا مِنْهُمْ .
وَ ( مِنْ ) تَفْضِيلِيَّةٌ ، أَيْ : خَيْرًا فِي الْخِلْقَةِ ، وَالتَّفْضِيلُ بِاعْتِبَارِ اخْتِلَافِ زَمَانَيِ الْخَلْقِ الْأَوَّلِ وَالْخَلْقِ الثَّانِي ، أَوِ اخْتِلَافِ عَالَمَيْهِمَا .
وَالْمَعْنَى الثَّانِي : أَنْ نُبَدِّلَ هَؤُلَاءِ بِخَيْرٍ مِنْهُمْ ، أَيْ : بِأُمَّةٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ ، وَالْخَيْرِيَّةُ فِي الْإِيمَانِ ، فَيَكُونُ نُبَدِّلَ عَلَى أَصْلِ مَعْنَاهُ ، وَيَكُونُ مَفْعُولُهُ مَحْذُوفًا مِثْلَ مَا فِي الْمَعْنَى الْأَوَّلِ ، وَيَكُونُ خَيْرًا مَنْصُوبًا عَلَى نَزْعِ الْخَافِضِ وَهُوَ بَاءُ الْبَدَلِيَّةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=61أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ ، وَيَكُونُ هَذَا تَهْدِيدًا لَهُمْ بِأَنْ سَيَسْتَأْصِلُهُمْ وَيَأْتِي بِقَوْمٍ آخَرِينَ كَمَا قَالَ تَعَالَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=19إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ ) وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=38وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ .
وَفِي هَذَا تَثْبِيتٌ لِلنَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَذْكِيرٌ بِأَنَّ اللَّهَ عَالِمٌ بِحَالِهِمْ .
وَذُيِّلَ بِقَوْلِهِ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ ، وَالْمَسْبُوقُ مُسْتَعَارٌ لِلْمَغْلُوبِ عَنْ أَمْرِهِ ، شُبِّهَ بِالْمَسْبُوقِ فِي الْحَلْبَةِ ، أَوْ بِالْمَسْبُوقِ فِي السَّيْرِ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=21أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=4أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ، وَمِنْهُ قَوْلُ
مُرَّةَ بْنِ عَدَّاءِ الْفَقْعَسِيِّ :
كَأَنَّكَ لَمْ تُسْبَقْ مِنَ الدَّهْرِ مَرَّةً إِذَا أَنْتَ أَدْرَكْتَ الَّذِي كُنْتَ تَطْلُبُ
يُرِيدُ : كَأَنَّكَ لَمْ تُغْلَبْ إِذَا تَدَارَكْتَ أَمْرَكَ وَأَدْرَكْتَ طِلْبَتَكَ .
[ ص: 181 ] وَ ( عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ ) مُتَعَلِّقٌ بِـ ( مَسْبُوقِينَ ) ، أَيْ : مَا نَحْنُ بِعَاجِزِينَ عَلَى ذَلِكَ التَّبْدِيلِ بِأَمْثَالِكُمْ كَمَا قَالَ فِي سُورَةِ الْوَاقِعَةِ إِنَّا لَقَادِرُونَ عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ .