وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا اتفق القراء العشرة على فتح الهمزة في وأن المساجد لله فهي معطوفة على مرفوع أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن ، ومضمونها مما أوحي به إلى النبيء - صلى الله عليه وسلم - وأمر بأن يقوله . والمعنى : قل أوحي إلي أن المساجد لله ، فالمصدر المنسبك مع ( أن ) واسمها وخبرها نائب فاعل ( أوحي ) .
والتقدير : أوحي إلي اختصاص المساجد بالله ، أي : بعبادته ؛ لأن بناءها إنما كان ليعبد الله فيها ، وهي معالم التوحيد .
وعلى هذا الوجه حمل سيبويه الآية وتبعه أبو علي في الحجة .
وذهب الخليل أن الكلام على حذف لام جر قبل ( أن ) ، فالمجرور مقدم على متعلقه للاهتمام . والتقدير : ولأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا .
واللام في قوله لله للاستحقاق ، أي : الله مستحقها دون الأصنام والأوثان فمن وضع الأصنام في مساجد الله فقد اعتدى على الله .
والمقصود هنا هو المسجد الحرام ؛ لأن المشركين كانوا وضعوا فيه الأصنام وجعلوا الصنم ( هبل ) على سطح الكعبة ، قال تعالى ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها يعني بذلك المشركين من قريش .
وهذا توبيخ للمشركين على اعتدائهم على حق الله وتصرفهم فيما ليس لهم أن [ ص: 241 ] يغيروه قال تعالى وهم يصدون عن المسجد الحرام وما كانوا أولياءه ، وإنما عبر في هذه الآية وفي آية ومن أظلم ممن منع مساجد الله بلفظ ( مساجد ) ليدخل الذين يفعلون مثل فعلهم معهم في هذا الوعيد ممن شاكلهم ممن غيروا المساجد ، أو لتعظيم المسجد الحرام . كما جمع ( رسلي ) في قوله فكذبوا رسلي فكيف كان نكير ، على تقدير أن يكون ضمير ( كذبوا ) عائد إلى الذين كفروا في قوله وقال الذين كفروا للحق لما جاءهم إن هذا إلا سحر مبين أي : كذبوا رسولي .
ومنه قوله تعالى وقوم نوح لما كذبوا الرسل أغرقناهم يريد نوحا ، وهو أول رسول ، فهو المقصود بالجمع .
وفرع على اختصاص كون المساجد بالله النهي عن أن يدعوا مع الله أحدا ، وهذا إلزام لهم بالتوحيد بطريق القول بالموجب ؛ لأنهم كانوا يزعمون أنهم أهل بيت الله فعبادتهم غير الله منافية لزعمهم ذلك .