إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا   تذييل أي : تذكرة لمن يتذكر فإن كان من منكري البعث آمن به وإن كان مؤمنا استفاق من بعض الغفلة التي تعرض للمؤمن فاستدرك ما فاته ، وبهذا العموم الشامل لأحوال المتحدث عنهم وأحوال غيرهم كانت الجملة تذييلا . 
والإشارة بـ ( هذه ) إلى الآيات المتقدمة من قوله إنا أرسلنا إليكم رسولا شاهدا عليكم    . 
وتأكيد الكلام بحرف التأكيد ؛ لأن المواجهين به ابتداء هم منكرون كون القرآن تذكرة وهدى فإنهم كذبوا بأنه من عند الله ووسموه بالسحر وبالأساطير ، وذلك من أقوالهم التي أرشد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الصبر عليها ، قال تعالى واصبر على ما يقولون    . 
والتذكرة : اسم لمصدر الذكر ، بضم الذال ، الذي هو خطور الشيء في البال ، فالتذكرة : الموعظة ، ؛ لأنه تذكر الغافل عن سوء العواقب ، وهذا تنويه بآيات القرآن وتجديد للتحريض على التدبر فيه والتفكر على طريقة التعريض . 
 [ ص: 278 ] وفرع على هذا التحريض التعريضي تحريض صريح بقوله فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا  أي : من كان يريد أن يتخذ إلى ربه سبيلا فقد تهيأ له اتخاذ السبيل إلى الله بهذه التذكرة فلم تبق للمتغافل معذرة . 
والإتيان بموصول ( من شاء ) من قبيل التحريض ؛ لأنه يقتضي أن هذا السبيل موصل إلى الخير فلا حائل يحول بين طالب الخير وبين سلوك هذا السبيل إلا مشيئته ، ؛ لأن قوله إن هذه تذكرة  قرينة على ذلك . ومن هذا القبيل قوله تعالى وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر    . فليس ذلك إباحة للإيمان والكفر ولكنه تحريض على الإيمان ، وما بعده تحذير من الكفر ، أي : تبعة التفريط في ذلك على المفرط . ولذلك قال ابن عطية    : ليس معناه إباحة الأمر وضده بل يتضمن معنى الوعد والوعيد . 
وفي تفسير  ابن عرفة  الذي كان بعض شيوخنا يحملها على أنه مخير في تعيين السبيل فمتعلق التخيير عنده أن يبين سبيلا ما من السبل قال : وهو حسن ، فيبقى ظاهر الآية على حاله من التخيير اهـ . 
وقد علمت مما قررناه أنه لا حاجة إليه وأن ليس في الآية شيء بمعنى التخيير . 
وفي قوله ( إلى ربه    ) تمثيل لحال طالب الفوز والهدى بحال السائر إلى ناصر أو كريم قد أري السبيل الذي يبلغه إلى مقصده فلم يبق له ما يعوقه عن سلوكه . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					