آناء الليل وهم يسجدون ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين .
استئناف قصد به إنصاف طائفة من أهل الكتاب ، بعد الحكم على معظمهم بصيغة تعمهم ، تأكيدا لما أفاده قوله منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون فالضمير في قوله ليسوا لأهل الكتاب المتحدث عنهم آنفا ، وهم اليهود ، وهذه الجملة تتنزل من التي بعدها منزلة التمهيد .
وسواء اسم بمعنى المماثل وأصله مصدر مشتق من التسوية .
وجملة من أهل الكتاب أمة قائمة إلخ . مبينة لإبهام ليسوا سواء والإظهار في مقام الإضمار للاهتمام بهؤلاء الأمة . فالأمة هنا بمعنى الفريق .
وإطلاق أهل الكتاب عليهم مجاز باعتبار ما كان كقوله تعالى وآتوا اليتامى أموالهم لأنهم صاروا من المسلمين .
وعدل عن أن يقال : منهم أمة قائمة إلى قوله من أهل الكتاب : ليكون هذا الثناء شاملا لصالحي اليهود ، وصالحي النصارى ، فلا يختص بصالحي اليهود ، فإن صالحي اليهود قبل بعثة عيسى كانوا متمسكين بدينهم ، مستقيمين عليه ، ومنهم الذين آمنوا بعيسى واتبعوه ، وكذلك صالحو النصارى قبل [ ص: 58 ] بعثة محمد - صلى الله عليه وسلم - كانوا مستقيمين على شريعة عيسى ، وكثير منهم أهل تهجد في الأديرة والصوامع وقد صاروا مسلمين بعد البعثة المحمدية .
والأمة : الطائفة والجماعة .
ومعنى قائمة أنه تمثيل للعمل بدينها على الوجه الحق ، كما يقال : سوق قائمة وشريعة قائمة .
والآناء أصله أأناء بهمزتين بوزن أفعال ، وهو جمع - إنى بكسر الهمزة وفتح النون مقصورا - ويقال أنى بفتح الهمزة قال تعالى : غير ناظرين إناه أي غير منتظرين وقته .
وجملة وهم يسجدون حال ، أي يتهجدون في الليل بتلاوة كتابهم ، فقيدت تلاوتهم الكتاب بحالة سجودهم . هذا الأسلوب أبلغ وأبين من أن يقال : يتهجدون لأنه يدل على صورة فعلهم .
ومعنى يسارعون في الخيرات يسارعون إليها أي يرغبون في الاستكثار منها . والمسارعة مستعارة للاستكثار من الفعل ، والمبادرة إليه ، تشبيها للاستكثار والاعتناء بالسير السريع لبلوغ المطلوب . وفي للظرفية المجازية ، وهي تخييلية تؤذن بتشبيه الخيرات بطريق يسير فيه السائرون ، ولهؤلاء مزية السرعة في قطعه . ولك أن تجعل مجموع المركب من قوله ويسارعون في الخيرات تمثيلا لحال مبادرتهم وحرصهم على فعل الخيرات بحال السائر الراغب في البلوغ إلى قصده يسرع في سيره . وسيأتي نظيره عند قوله تعالى لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر في سورة العقود .
والإشارة بأولئك إلى الأمة القائمة الموصوفة بتلك الأوصاف . وموقع اسم الإشارة التنبيه على أنهم استحقوا الوصف المذكور بعد اسم الإشارة بسبب ما سبق اسم الإشارة من الأوصاف .