فبأي حديث بعده يؤمنون
الفاء فصيحة تنبئ عن شرط مقدر تقديره : إن لم يؤمنوا بهذا القرآن فبأي حديث بعده يؤمنون ، وقد دل على تعيين هذا المقدر ما تكرر في آيات ( ويل يومئذ للمكذبين ) فإن تكذيبهم بالقرآن وما جاء فيه من وقوع البعث .
والاستفهام مستعمل في الإنكار التعجيبي من حالهم ، أي إذا لم يصدقوا بالقرآن مع وضوح حجته فلا يؤمنون بحديث غيره .
[ ص: 448 ] والمقصود أن فالذين لا يؤمنون به لا يؤمنون بكلام يسمعونه عقب ذلك . القرآن بالغ الغاية في وضوح الدلالة ونهوض الحجة
وقوله بعده يجوز أن يجعل صفة حديث فهو ظرف مستقر ، والمراد بالبعدية : تأخر الزمان ، ويقدر معنى بالغ أو مسموع بعد بلوغ القرآن أو سماعه سواء كان حديثا موجودا قبل نزول القرآن ، أو حديثا يوجد بعد القرآن ، فليس المعنى أنهم يؤمنون بحديث جاء قبل القرآن مثل التوراة والإنجيل وغيرهما من المواعظ والأخبار ، بل المراد أنهم لا يؤمنون بحديث غيره بعد أن لم يؤمنوا بالقرآن لأنه لا يقع إليهم كلام أوضح دلالة وحجة من القرآن .
ويجوز أن يكون ( بعده ) متعلقا بـ يؤمنون فهو ظرف لغو ويبقى لفظ ( حديث ) منفيا بلا قيد وصف أنه بعد القرآن ، والمعنى : لا يؤمنون بعد القرآن بكل حديث .
وضمير " بعده " عائد إلى القرآن ولم يتقدم ما يدل عليه في هذه السورة ليكون معادا للضمير ولكنه اعتبر كالمذكور لأنه ملحوظ لأذهانهم كل يوم من أيام دعوة النبيء - صلى الله عليه وسلم - إياهم به .
وتقدم نظير هذه الآية في أواخر سورة الأعراف فضمه إلى ما هنا .
ويجوز أن يكون ضمير " بعده " عائدا إلى القول المأخوذ من ( وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون ) فإن أمرهم بالركوع الذي هو كناية عن الإيمان كان بأقوال القرآن .