رب السماوات والأرض وما بينهما الرحمن
قرأ نافع ، وابن كثير ، وأبو عمرو ، وأبو جعفر برفع ( رب ) ورفع ( الرحمن ) ، وقرأ ابن عامر ، وعاصم ، ويعقوب بخفضهما ، وقرأه حمزة ، وخلف بخفض ( رب ) ورفع ( الرحمن ) ، فأما قراءة رفع الاسمين ف ( رب ) خبر مبتدأ محذوف ، وهو ضمير يعود على قوله : من ربك على طريقة حذف المسند إليه حذفا سماه والكسائي السكاكي حذفا لاتباع الاستعمال الوارد على تركه ، أي : في المقام الذي يجري استعمال البلغاء فيه على حذف المسند إليه ، وذلك إذا جرى في الكلام وصف ونحوه لموصوف ، ثم ورد ما يصلح أن يكون خبرا عنه أو أن يكون نعتا له فيختار المتكلم أن يجعله خبرا لا نعتا ، فيقدر ضمير المنعوت ويأتي بخبر عنه وهو ما يسمى بالنعت المقطوع .
والمعنى : إن ربك هو ربهم ; لأنه رب السماوات والأرض وما بينهما ، ولكن المشركين عبدوا غيره جهلا وكفرا لنعمته . و ( الرحمن ) خبر ثان .
وأما قراءة جر الاسمين فهي جارية على أن رب السماوات نعت [ ص: 49 ] ل ( ربك ) من قوله : جزاء من ربك و ( الرحمن ) نعت ثان .
والرب : المالك المتصرف بالتدبير ورعي الرفق والرحمة ، والمراد بالسماوات والأرض وما بينهما مسماها مع ما فيها من الموجودات ; لأن اسم المكان قد يراد به ساكنه كما في قوله تعالى : فكأين من قرية أهلكناها وهي ظالمة فهي خاوية على عروشها في سورة الحج ، فإن الظلم من صفات سكان القرية لا صفة لذاتها ، والخواء على عروشها من أحوال ذات القرية لا من أحوال سكانها ، فكان إطلاق القرية مرادا به كلا المعنيين .
والمراد بما بين السماوات والأرض : ما على الأرض من كائنات وما في السماوات من الملائكة وما لا يعلمه بالتفصيل إلا الله ، وما في الجو من المكونات حية وغيرها من أسحبة وأمطار وموجودات سابحة في الهواء .
و ما موصولة وهي من صيغ العموم ، وقد استفيد من ذلك تعميم ربوبيته على جميع المصنوعات .
وأتبع وصف رب السماوات بذكر اسم من أسمائه الحسنى وهو اسم الرحمن وخص بالذكر دون غيره من الأسماء الحسنى ; لأن في معناه إيماء إلى أن ما يفيضه من خير على المتقين في الجنة هو عطاء رحمان بهم .
وفي ذكر هذه الصفة الجليلة تعريض بالمشركين ; إذ أنكروا اسم الرحمن الوارد في القرآن كما حكى الله عنهم بقوله : وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن .