إن الأبرار لفي نعيم   وإن الفجار لفي جحيم  يصلونها يوم الدين  وما هم عنها بغائبين    . 
فصلت هذه الجملة عن التي قبلها لأنها استئناف بياني جواب عن سؤال يخطر في نفس السامع يثيره قوله : بل تكذبون بالدين وإن عليكم لحافظين  الآية لتشوف النفس إلى معرفة هذا الجزاء ما هو ، وإلى معرفة غاية إقامة الملائكة لإحصاء الأعمال ما هي ، فبين ذلك بقوله : إن الأبرار لفي نعيم  الآية . 
وأيضا تتضمن هذه الجملة تقسيم أصحاب الأعمال فهي تفصيل لجملة يعلمون ما تفعلون  وذلك من مقتضيات فصل الجملة عن التي قبلها . 
وجيء بالكلام مؤكدا بـ ( إن ) ولام الابتداء ليساوي البيان مبينه في التحقيق ودفع الإنكار . 
 [ ص: 182 ] وكرر التأكيد مع الجملة المعطوفة للاهتمام بتحقيق كونهم في جحيم لا يطمعوا في مفارقته . 
والأبرار : جمع بر بفتح الباء وهو التقي . وهو فعل بمعنى فاعل مشتق من بر يبر ، ولفعل بر اسم مصدر هو بر بكسر الباء ولا يعرف له مصدر قياسي بفتح الباء كأنهم أماتوه لئلا يلتبس بالبر وهو التقي ، وإنما سمي التقي برا لأنه بر ربه ، أي : صدقه ووفى له بما عهد له من الأمر بالتقوى . 
والفجار : جمع فاجر ، وصيغة فعال تطرد في تكسير فاعل المذكر الصحيح اللام . 
والفاجر : المتصف بالفجور وهو ضد البرور . 
والمراد بالفاجر هنا : المشركون لأنهم الذين لا يغيبون عن النار طرفة عين ، وذلك هو الخلود ، ونحن أهل السنة لا نعتقد الخلود في النار لغير الكافر . فأما عصاة المؤمنين فلا يخلدون في النار ، وإلا بطلت فائدة الإيمان . 
والنعيم : اسم ما ينعم به الإنسان . 
والظرفية من قوله : في نعيم مجازية ; لأن النعيم أمر اعتباري لا يكون ظرفا حقيقة ، شبه دوام التنعم لهم بإحاطة الظرف بالمظروف بحيث لا يفارقه . 
وأما ظرفية قوله : لفي جحيم  فهي حقيقية . 
والجحيم صار علما بالغلبة على جهنم ، وقد تقدم في سورة التكوير وفي سورة النازعات . 
وجملة ( يصلونها ) صفة لـ ( جحيم ) ، أو حال من الفجار ، أو حال من الجحيم ، وصلي النار : مس حرها للجسم ، يقال : صلي النار ، إذا أحس بحرها ، وحقيقته : الإحساس بحر النار المؤلم ، فإذا أريد التدفي قيل : اصطلى . 
و يوم الدين ظرف لـ يصلونها وذكر لبيان : أنهم يصلونها جزاء عن فجورهم ; لأن الدين الجزاء ويوم الدين يوم الجزاء وهو من أسماء يوم القيامة    . 
 [ ص: 183 ] وجملة وما هم عنها بغائبين  عطف على جملة ( يصلونها ) أي : يصلون حرها ولا يفارقونها ، أي : وهم خالدون فيها . 
وجيء بقوله : وما هم عنها بغائبين  جملة اسمية دون أن يقال : وما يغيبون عنها ، أو ما يفارقونها ، لإفادة الاسمية الثبات سواء في الإثبات أو النفي ، فالثبات حالة للنسبة الخبرية سواء كانت نسبة إثبات أو نسبة نفي كما في قوله تعالى : وما هم بخارجين من النار  في سورة البقرة . 
وزيادة الباء لتأكيد النفي . 
وتقديم ( عنها ) على متعلقه للاهتمام بالمجرور ، وللرعاية على الفاصلة . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					