وهو الغفور الودود ذو العرش المجيد فعال لما يريد .
جملة معطوفة على جملة إن بطش ربك لشديد ، ومضمونها قسيم لمضمون إن بطش ربك لشديد لأنه لما أفيد تعليل مضمون جملة إن الذين فتنوا المؤمنين إلى آخره ، ناسب أن يقابل بتعليل مضمون جملة إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات إلى آخره ، فعلل بقوله وهو الغفور الودود فهو يغفر للذين تابوا وآمنوا وعملوا الصالحات ما فرط منهم وهو يحب التوابين ويودهم .
والودود : فعول بمعنى فاعل ، مشتق من الود وهو المحبة ، فمعنى الودود : المحب وهو من أسمائه تعالى ، أي أنه يحب مخلوقاته ما لم يحيدوا عن وصايته ، والمحبة التي يوصف الله بها مستعملة في لازم المحبة في اللغة تقريبا للمعنى المتعالي عن الكيف وهو من معنى الرحمة ، وقد تقدم عند قوله تعالى : إن ربي رحيم ودود في آخر سورة هود .
ولما ذكر الله من صفاته ما تعلقه بمخلوقاته بحسب ما يستأهلونه من جزاء أعقب ذلك بصفاته الذاتية على وجه الاستطراد والتكملة بقوله : ذو العرش المجيد تنبيها للعباد إلى وجوب عبادته لاستحقاقه العبادة لجلاله كما يعبدونه لاتقاء عقابه ورجاء نواله .
والعرش : اسم لعالم يحيط بجميع السماوات ، سمي عرشا لأنه دال على عظمة الله تعالى كما يدل العرش على أن صاحبه من الملوك .
والمجيد : العظيم القوي في نوعه ، ومن أمثالهم : في كل شجر نار ، واستمجد المرخ والعفار ، وهما شجران يكثر قدح النار من زندهما .
[ ص: 250 ] وقرأه الجمهور بالرفع على أنه خبر رابع عن ضمير الجلالة . وقرأه حمزة والكسائي وخلف بالجر نعتا للعرش فوصف العرش بالمجد كناية عن مجد صاحب العرش .
ثم ذيل ذلك بصفة جامعة لعظمته الذاتية وعظمة نعمه بقوله : فعال لما يريد أي : إذا تعلقت إرادته بفعل ، فعله على أكمل ما تعلقت به إرادته لا ينقصه شيء ولا يبطئ به ما أراد تعجيله . فصيغة المبالغة في قوله : فعال للدلالة على الكثرة في الكمية والكيفية .
والإرادة هنا هي المعرفة عندنا بأنها صفة تخصص الممكن ببعض ما يجوز عليه وهي غير الإرادة بمعنى المحبة مثل يريد الله بكم اليسر .