[ ص: 586 ]  [ ص: 587 ] بسم الله الرحمن الرحيم 
سورة النصر  
سميت هذه السورة في كلام السلف ( سورة إذا جاء نصر الله والفتح ) . روى  البخاري    ( أن عائشة  قالت : لما نزلت سورة إذا جاء نصر الله والفتح ) الحديث . 
وسميت في المصاحف وفي معظم التفاسير ( سورة النصر ) لذكر نصر الله فيها ، فسميت بالنصر المعهود عهدا ذكريا . 
وهي معنونة في جامع الترمذي    ( سورة الفتح ) لوقوع هذا اللفظ فيها فيكون هذا الاسم مشتركا بينها وبين إنا فتحنا لك فتحا مبينا    . 
وعن  ابن مسعود  أنها تسمى سورة التوديع في الإتقان ; لما فيها من الإيماء إلى وداعه - صلى الله عليه وسلم - اهـ . يعني : من الإشارة إلى اقتراب لحاقه بالرفيق الأعلى كما سيأتي عن عائشة    . 
وهي مدنية بالاتفاق . 
واختلف في وقت نزولها فقيل نزلت منصرف النبيء - صلى الله عليه وسلم - من خيبر أي : في سنة سبع ، ويؤيده ما رواه  الطبري   والطبراني  عن  ابن عباس    : بينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة  نزلت إذا جاء نصر الله والفتح ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : الله أكبر جاء نصر الله والفتح ، وجاء نصر أهل اليمن    . فقال رجل : يا رسول الله وما أهل اليمن  ؟ قال : قوم رقيقة قلوبهم ، لينة طباعهم ، الإيمان يمان ، والفقه يمان ، والحكمة يمانية اهـ ، ومجيء أهل اليمن   أول مرة هو مجيء وفد الأشعريين عام غزوة خيبر    . 
ولم يختلف أهل التأويل أن المراد بالفتح في الآية هو فتح مكة ،  وعليه فالفتح   [ ص: 588 ] مستقبل ودخول الناس في الدين أفواجا مستقبل أيضا وهو الأليق باستعمال ( إذا ) ويحمل قول النبيء - صلى الله عليه وسلم - ( جاء نصر الله والفتح    ) على أنه استعمال الماضي في معنى المضارع لتحقق وقوعه ، أو لأن النصر في خيبر  كان بادرة لفتح مكة    . 
وعن قتادة    : نزلت قبل وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسنتين . 
وقال الواحدي  عن  ابن عباس    ( نزلت منصرفه من حنين ) ،  فيكون الفتح قد مضى ودخول الناس في الدين أفواجا مستقبلا ، وهو في سنة الوفود سنة تسع ، وعليه تكون ( إذا ) مستعملة في مجرد التوقيت دون تعيين . 
وروى البزاز  والبيهقي   وابن أبي شيبة   وعبد بن حميد  عن  ابن عمر  أنها أنزلت أواسط أيام التشريق ( أي : عام حجة الوداع ) . وضعفه ابن رجب  بأن فيه  موسى بن عبيدة  وهو ضعيف . وقال  أحمد بن حنبل    : لا تحل الرواية عنه وإن صحت هذه الرواية كان الفتح ودخول الناس في الدين أفواجا قد مضيا . 
وعن  ابن عمر  أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عاش بعد نزولها نحو ثلاثة أشهر وعليه تكون ( إذا ) مستعملة للزمن الماضي ; لأن الفتح ودخول الناس في الدين قد وقعا . 
وقد تظافرت الأخبار رواية وتأويلا أن هذه السورة تشتمل على إيماء إلى اقتراب أجل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وليس في ذلك ما يرجح أحد الأقوال في وقت نزولها ، إذ لا خلاف في أن هذا الإيماء يشير إلى توقيت مجيء النصر والفتح ودخول الناس في الدين أفواجا ، فإذا حصل ذلك حان الأجل الشريف . 
وفي حديث  ابن عباس  في صحيح  البخاري    : هو أجل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعلمه له قال : إذا جاء نصر الله والفتح  وذلك علامة أجلك فسبح بحمد ربك واستغفره    . 
وفي هذا ما يؤول ما في بعض الأخبار من إشارة إلى اقتراب ذلك الأجل مثلما في حديث  ابن عباس  عند البيهقي  في دلائل النبوة  والدارمي  وابن مردويه    :   ( لما نزلت إذا جاء نصر الله والفتح  دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاطمة وقال : إنه قد نعيت إلي نفسي فبكت   ) إلخ ، فإن قوله : " لما نزلت " مدرج من الراوي ، وإنما هو   [ ص: 589 ] إعلام لها في مرضه كما جاء في حديث الوفاة في الصحيحين ، فهذا جمع بين ما يلوح منه تعارض في هذا الشأن . 
وعدها  جابر بن زيد  السورة المائة والثلاث في ترتيب نزول السور وقال : نزلت بعد سورة الحشر وقبل سورة النور . وهذا جار على رواية أنها نزلت عقب غزوة خيبر    . 
وعن  ابن عباس  ، أنها آخر سورة نزلت من القرآن  فتكون على قوله السورة المائة وأربع عشرة نزلت بعد سورة براءة ولم تنزل بعدها سورة أخرى   . 
وعدد آياتها ثلاث وهي مساوية لسورة الكوثر في عدد الآيات إلا أنها أطول من سورة الكوثر عدة كلمات ، وأقصر من سورة العصر . وهاته الثلاث متساوية في عدد الآيات . وفي حديث  ابن أبي شيبة  عن  أبي إسحاق السبعي  في حديث طعن  عمر بن الخطاب    - رضي الله عنه - فصلى  عبد الرحمن بن عوف  صلاة خفيفة بأقصر سورتين في القرآن ( إنا أعطيناك الكوثر    ) و ( إذا جاء نصر الله والفتح    ) . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					