عطف شر الحاسد على شر الساحر المعطوف على شر الليل ، لمناسبة بينه وبين المعطوف عليه مباشرة ، وبينه وبين المعطوف عليه بواسطته ، فإن مما يدعو الحاسد إلى أذى المحسود أن يتطلب حصول أذاه لتوهم أن السحر يزيل النعمة التي حسده عليها ، ولأن ثوران وجدان الجسد يكثر في وقت الليل ; لأن الليل وقت الخلوة وخطور الخواطر النفسية والتفكر في الأحوال الحافة بالحاسد والمحسود .
: إحساس نفساني مركب من استحسان نعمة في الغير مع تمني زوالها عنه لأجل غيرة على اختصاص الغير بتلك الحالة أو على مشاركته الحاسد فيها . وقد يطلق اسم الحسد على الغبطة مجازا . والحسد
[ ص: 630 ] : تمني المرء أن يكون له من الخير مثل ما لمن يروق حاله في نظره ، وهو محمل الحديث الصحيح : والغبطة أي : لا غبطة ، أي : لا تحقق الغبطة إلا في تينك الخصلتين ، وقد بين لا حسد إلا في اثنتين شهاب الدين القرافي الفرق بين الحسد والغبطة في الفرق الثامن والخمسين والمائتين .
فقد يغلب الحسد صبر الحاسد وأناته فيحمله على إيصال الأذى للمحسود بإتلاف أسباب نعمته أو إهلاكها رأسا . وقد كان ، إذ حسد أحد ابني الحسد أول أسباب الجنايات في الدنيا آدم أخاه على أن قبل قربانه ولم يقبل قربان الآخر ، كما قصه الله تعالى في سورة العقود .
وتقييد الاستعاذة من شره بوقت إذا حسد لأنه حينئذ يندفع إلى عمل الشر بالمحسود حين يجيش الحسد في نفسه فتتحرك له الحيل والنوايا لإلحاق الضر به . والمراد من الحسد في قوله : إذا حسد حسد خاص وهو البالغ أشد حقيقته فلا إشكال في تقييد الحسد بـ ( حسد ) وذلك قول عمرو بن معديكرب :
وبدت لميس كأنها بدر السماء إذا تبدى
أي : تجلى واضحا منيرا .
ولما كان الحسد يستلزم كون المحسود في حالة حسنة ، كثر في كلام العرب الكناية عن السيد بالمحسود ، وبعكسه الكناية عن سيئ الحال بالحاسد ، وعليه قول أبي الأسود :
حسدوا الفتى أن لم ينالوا سعيه فالقوم أعداء له وخصوم
كضرائر الحسناء قلن لوجهها حسدا وبغضا إنه لمشوم
وقول : بشار بن برد
إن يحسدوني فإني غير لائمهم قبلي من الناس أهل الفضل قد حسدوا
فدام لي ولهم ما بي وما بهم ومات أكثرنا غيظا بما يجد