ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف .
عطف على " ولا تأكلوها إسرافا " إلخ . المقرر به قوله ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم [ ص: 245 ] ليتقرر النهي عن أكل أموالهم . وهو تخصيص لعموم في الآيتين السابقتين للترخيص في ضرب من ضروب الأكل ، وهو أن يأكل الوصي الفقير من مال محجوره بالمعروف ، وهو راجع إلى إنفاق بعض مال اليتيم في مصلحته ، لأنه إذا لم يعط وصيه الفقير بالمعروف ألهاه التدبير لقوته عن تدبير مال محجوره . النهي عن أكل أموال اليتامى
وفي لفظ ( المعروف ) حوالة على ما يناسب حال الوصي ويتيمه بحسب الأزمان والأماكن وقد أرشد إلى ذلك حديث أبي داود : . وفي صحيح أن رجلا أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال إني فقير وليس لي شيء قال كل من مال يتيمك غير مسرف ولا مباذر ولا متأثل مسلم عن عائشة : نزلت الآية في ولي اليتيم إذا كان محتاجا أن يأكل منه بقدر ماله بالمعروف ، ولذلك قال المالكية : يأخذ الوصي بقدر أجرة مثله ، وقال عمر بن الخطاب ، وابن عباس ، وأبو عبيدة ، وابن جبير ، والشعبي ، ومجاهد : إن الله أذن في القرض لا غير . قال عمر إني نزلت نفسي من مال الله منزلة الوصي من مال اليتيم ، إن استغنيت استعففت وإن احتجت أكلت بالمعروف ، فإذا أيسرت قضيت . وقال عطاء ، وإبراهيم : لا قضاء على الوصي إن أيسر . وقال الحسن ، والشعبي ، في رواية : إن معناه أن يشرب اللبن ويأكل من الثمر ويهنأ الجربى من إبله ويلوط الحوض . وقيل : إنما ذلك عند الاضطرار كأكل الميتة والخنزير : روي عن وابن عباس ، عكرمة ، وابن عباس ، وهو أضعف الأقوال لأن الله ناط الحكم بالفقر لا بالاضطرار ، وناطه بمال اليتيم ، والاضطرار لا يختص بالتسليط على مال اليتيم بل على كل مال . وقال والشعبي ، أبو حنيفة وصاحباه : لا يأخذ إلا إذا سافر من أجل اليتيم يأخذ قوته في السفر . واختلف في وصي الحاكم هل هو مثل وصي الأب . فقال الجمهور : هما سواء ، وهو الحق ، وليس في الآية تخصيص .
ثم اختلفوا في الوصي الغني هل يأخذ أجر مثله على عمله بناء على الخلاف في أن الأمر في قوله " فليستعفف " للوجوب أو للندب ، فمن قال للوجوب قال : لا يأكل الغني شيئا ، وهذا قول كل من منعه الانتفاع بأكثر من السلف والشيء القليل ، وهم جمهور تقدمت أسماؤهم . وقيل : الأمر للندب فإذا أراد أن يأخذ أجر مثله جاز له إذا كان له عمل وخدمة ، أما إذا كان عمله مجرد التفقد لليتيم والإشراف عليه فلا أجر له .
[ ص: 246 ] وهذا كله بناء على أن الآية محكمة . ومن العلماء من قال : هي منسوخة بقوله تعالى إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما الآية ، وقوله ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وإليه مال أبو يوسف ، وهو قول مجاهد ، . وزيد بن أسلم
ومن العلماء من سلك بالآية مسلك التأويل فقال : المراد فمن كان غنيا أي من اليتامى ، ومن كان فقيرا كذلك ، وهي بيان لكيفية ربيعة بن أبي عبد الرحمن فالغني يعطى كفايته ، والفقير يعطى بالمعروف ، وهو بعيد ، فإن فعل استعفف يدل على الاقتصاد والتعفف عن المسألة . الإنفاق على اليتامى
وقال النخعي ، وروي عن : من كان من الأوصياء غنيا فليستعفف بماله ولا يتوسع بمال محجوره ومن كان فقيرا فإنه يقتر على نفسه لئلا يمد يده إلى مال يتيمه . واستحسنه ابن عباس النحاس في أحكام القرآن . والكيا الطبري