nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=19nindex.php?page=treesubj&link=28975_17941وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا .
أعقب النهي عن إكراه النساء والإضرار بهن بالأمر بحسن المعاشرة معهن ، فهذا اعتراض فيه معنى التذييل لما تقدم من النهي ، لأن
nindex.php?page=treesubj&link=17941حسن المعاشرة جامع لنفي الإضرار والإكراه ، وزائد بمعاني إحسان الصحبة .
والمعاشرة مفاعلة من العشرة وهي المخالطة ، قال
ابن عطية : وأرى اللفظة من : أعشار الجزور ؛ لأنها مقاسمة ومخالطة ، أي فأصل الاشتقاق من الاسم الجامد وهو عدد العشرة . وأنا أراها مشتقة من العشيرة أي الأهل ، فعاشره : جعله من عشيرته ، كما يقال : آخاه ، إذا جعله أخا . أما العشيرة فلا يعرف أصل اشتقاقها . وقد قيل : إنها من العشرة أي اسم العدد . وفيه نظر .
والمعروف ضد المنكر وسمي الأمر المكروه منكرا لأن النفوس لا تأنس به ، فكأنه مجهول عندها نكرة ، إذ الشأن أن المجهول يكون مكروها ثم أطلقوا اسم المنكر على المكروه ، وأطلقوا ضده على المحبوب لأنه تألفه النفوس . والمعروف هنا ما حدده الشرع ووصفه العرف .
[ ص: 287 ] والتفريع في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=19فإن كرهتموهن على لازم الأمر الذي في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=19وعاشروهن وهو النهي عن
nindex.php?page=treesubj&link=17941سوء المعاشرة ، أي فإن وجد سبب سوء المعاشرة وهو الكراهية . وجملة : فعسى أن تكرهوا . نائبة مناب جواب الشرط ، وهي علة له ، فعلم الجواب منها . وتقديره : فتثبتوا ولا تعجلوا بالطلاق ، لأن قوله : فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا . يفيد
nindex.php?page=treesubj&link=30457إمكان أن تكون المرأة المكروهة سبب خيرات فيقتضي أن لا يتعجل في الفراق .
و ( عسى ) هنا للمقاربة المجازية أو الترجي . و ( أن تكرهوا ) ساد مسد معموليها ، و ( يجعل ) معطوف على ( تكرهوا ) ومناط المقاربة والرجاء هو مجموع المعطوف والمعطوف عليه ، بدلالة القرينة على ذلك .
هذه حكمة عظيمة ، إذ قد تكره النفوس ما في عاقبته خير فبعضه يمكن التوصل إلى معرفة ما فيه من الخير عند غوص الرأي . وبعضه قد علم الله أن فيه خيرا لكنه لم يظهر للناس . قال
nindex.php?page=showalam&ids=3753سهل بن حنيف ، حين مرجعه من صفين : اتهموا الرأي فلقد رأيتنا يوم
nindex.php?page=showalam&ids=142أبي جندل ولو نستطيع أن نرد على رسول الله أمره لرددنا ، والله ورسوله أعلم . وقد قال تعالى ، في سورة البقرة
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=216وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم .
والمقصود من هذا : الإرشاد إلى إعماق النظر وتغلغل الرأي في عواقب الأشياء ، وعدم الاغترار بالبوارق الظاهرة . ولا بميل الشهوات إلى ما في الأفعال من ملائم ، حتى يسبره بمسبار الرأي ، فيتحقق سلامة حسن الظاهر من سوء خفايا الباطن .
واقتصر هنا على مقاربة حصول الكراهية لشيء فيه خير كثير ، دون مقابله ، كما في آية البقرة : وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم . لأن المقام في سورة البقرة مقام بيان الحقيقة بطرفيها إذ المخاطبون فيها كرهوا القتال ، وأحبوا السلم ، فكان حالهم مقتضيا بيان أن القتال قد يكون هو الخير لما يحصل بعده من أمن دائم ، وخضد شوكة العدو ، وأن السلم قد يكون شرا لما يحصل معها من
[ ص: 288 ] استخفاف الأعداء بهم ، وطمعهم فيهم ، وذهاب عزهم المفضي إلى استعبادهم ، أما المقام في هذه السورة فهو لبيان حكم من حدث بينه وبين زوجه ما كرهه فيها ، ورام فراقها ، وليس له مع ذلك ميل إلى غيرها ، فكان حاله مقتضيا بيان ما في كثير من المكروهات من الخيرات ، ولا يناسب أن يبين له أن في بعض الأمور المحبوبة شرورا لكونه فتحا لباب التعلل لهم بما يأخذون من الطرف الذي يميل إليه هواهم . وأسند جعل الخير في المكروه هنا لله بقوله : ويجعل الله فيه خيرا كثيرا . المقتضي أنه جعل عارض لمكروه خاص ، وفي سورة البقرة قال : وهو خير لكم . لأن تلك بيان لما يقارن بعض الحقائق من الخفاء في ذات الحقيقة ، ليكون رجاء الخير من القتال مطردا في جميع الأحوال غير حاصل بجعل عارض ، بخلاف هذه الآية ، فإن
nindex.php?page=treesubj&link=19582الصبر على الزوجة المؤذية أو المكروهة إذا كان لأجل امتثال أمر الله بحسن معاشرتهن ، يكون جعل الخير في ذلك جزاء من الله على الامتثال .
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=19nindex.php?page=treesubj&link=28975_17941وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا .
أَعْقَبَ النَّهْيَ عَنْ إِكْرَاهِ النِّسَاءِ وَالْإِضْرَارِ بِهِنَّ بِالْأَمْرِ بِحُسْنِ الْمُعَاشَرَةِ مَعَهُنَّ ، فَهَذَا اعْتِرَاضٌ فِيهِ مَعْنَى التَّذْيِيلِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنَ النَّهْيِ ، لِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=17941حُسْنَ الْمُعَاشَرَةِ جَامِعٌ لِنَفْيِ الْإِضْرَارِ وَالْإِكْرَاهِ ، وَزَائِدٌ بِمَعَانِي إِحْسَانِ الصُّحْبَةِ .
وَالْمُعَاشَرَةُ مُفَاعَلَةٌ مِنَ الْعِشْرَةِ وَهِيَ الْمُخَالَطَةُ ، قَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : وَأَرَى اللَّفْظَةَ مِنْ : أَعْشَارِ الْجَزُورِ ؛ لِأَنَّهَا مُقَاسَمَةٌ وَمُخَالَطَةٌ ، أَيْ فَأَصْلُ الِاشْتِقَاقِ مِنَ الِاسْمِ الْجَامِدِ وَهُوَ عَدَدُ الْعَشَرَةِ . وَأَنَا أَرَاهَا مُشْتَقَّةً مِنَ الْعَشِيرَةِ أَيِ الْأَهْلِ ، فَعَاشَرَهُ : جَعَلَهُ مِنْ عَشِيرَتِهِ ، كَمَا يُقَالُ : آخَاهُ ، إِذَا جَعَلَهُ أَخًا . أَمَّا الْعَشِيرَةُ فَلَا يُعْرَفُ أَصْلُ اشْتِقَاقِهَا . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّهَا مِنَ الْعَشَرَةِ أَيِ اسْمِ الْعَدَدِ . وَفِيهِ نَظَرٌ .
وَالْمَعْرُوفُ ضِدُّ الْمُنْكَرِ وَسُمِّيَ الْأَمْرُ الْمَكْرُوهُ مُنْكَرًا لِأَنَّ النُّفُوسَ لَا تَأْنَسُ بِهِ ، فَكَأَنَّهُ مَجْهُولٌ عِنْدَهَا نَكِرَةٌ ، إِذِ الشَّأْنُ أَنَّ الْمَجْهُولَ يَكُونُ مَكْرُوهًا ثُمَّ أَطْلَقُوا اسْمَ الْمُنْكَرِ عَلَى الْمَكْرُوهِ ، وَأَطْلَقُوا ضِدَّهُ عَلَى الْمَحْبُوبِ لِأَنَّهُ تَأْلَفُهُ النُّفُوسُ . وَالْمَعْرُوفُ هُنَا مَا حَدَّدَهُ الشَّرْعُ وَوَصَفَهُ الْعُرْفُ .
[ ص: 287 ] وَالتَّفْرِيعُ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=19فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ عَلَى لَازِمِ الْأَمْرِ الَّذِي فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=19وَعَاشِرُوهُنَّ وَهُوَ النَّهْيُ عَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=17941سُوءِ الْمُعَاشَرَةِ ، أَيْ فَإِنْ وُجِدَ سَبَبُ سُوءِ الْمُعَاشَرَةِ وَهُوَ الْكَرَاهِيَةُ . وَجُمْلَةُ : فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا . نَائِبَةٌ مَنَابَ جَوَابِ الشَّرْطِ ، وَهِيَ عِلَّةٌ لَهُ ، فَعُلِمَ الْجَوَابُ مِنْهَا . وَتَقْدِيرُهُ : فَتَثَبَّتُوا وَلَا تَعْجَلُوا بِالطَّلَاقِ ، لِأَنَّ قَوْلَهُ : فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلُ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا . يُفِيدُ
nindex.php?page=treesubj&link=30457إِمْكَانَ أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ الْمَكْرُوهَةُ سَبَبَ خَيْرَاتٍ فَيَقْتَضِي أَنْ لَا يَتَعَجَّلَ فِي الْفِرَاقِ .
وَ ( عَسَى ) هُنَا لِلْمُقَارَبَةِ الْمَجَازِيَّةِ أَوِ التَّرَجِّي . وَ ( أَنْ تَكْرَهُوا ) سَادٌّ مَسَدَّ مَعْمُولَيْهَا ، وَ ( يَجْعَلُ ) مَعْطُوفٌ عَلَى ( تَكْرَهُوا ) وَمَنَاطُ الْمُقَارَبَةِ وَالرَّجَاءِ هُوَ مَجْمُوعُ الْمَعْطُوفِ وَالْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ ، بِدَلَالَةِ الْقَرِينَةِ عَلَى ذَلِكَ .
هَذِهِ حِكْمَةٌ عَظِيمَةٌ ، إِذْ قَدْ تَكْرَهُ النُّفُوسُ مَا فِي عَاقِبَتِهِ خَيْرٌ فَبَعْضُهُ يُمْكِنُ التَّوَصُّلُ إِلَى مَعْرِفَةِ مَا فِيهِ مِنَ الْخَيْرِ عِنْدَ غَوْصِ الرَّأْيِ . وَبَعْضُهُ قَدْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّ فِيهِ خَيْرًا لَكِنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ لِلنَّاسِ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=3753سَهْلُ بْنُ حَنِيفٍ ، حِينَ مَرْجِعِهِ مِنْ صِفِّينَ : اتَّهِمُوا الرَّأْيَ فَلَقَدْ رَأَيْتُنَا يَوْمَ
nindex.php?page=showalam&ids=142أَبِي جَنْدَلٍ وَلَوْ نَسْتَطِيعُ أَنْ نَرُدَّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ أَمْرَهُ لَرَدَدْنَا ، وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ . وَقَدْ قَالَ تَعَالَى ، فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=216وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ .
وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا : الْإِرْشَادُ إِلَى إِعْمَاقِ النَّظَرِ وَتَغَلْغُلِ الرَّأْيِ فِي عَوَاقِبِ الْأَشْيَاءِ ، وَعَدَمِ الِاغْتِرَارِ بِالْبَوَارِقِ الظَّاهِرَةِ . وَلَا بِمَيْلِ الشَّهَوَاتِ إِلَى مَا فِي الْأَفْعَالِ مِنْ مُلَائِمٍ ، حَتَّى يَسْبِرَهُ بِمِسْبَارِ الرَّأْيِ ، فَيَتَحَقَّقَ سَلَامَةَ حُسْنِ الظَّاهِرِ مِنْ سُوءِ خَفَايَا الْبَاطِنِ .
وَاقْتَصَرَ هُنَا عَلَى مُقَارَبَةِ حُصُولِ الْكَرَاهِيَةِ لِشَيْءٍ فِيهِ خَيْرٌ كَثِيرٌ ، دُونَ مُقَابِلِه ، كَمَا فِي آيَةِ الْبَقَرَةِ : وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ . لِأَنَّ الْمَقَامَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ مَقَامُ بَيَانِ الْحَقِيقَةِ بِطَرَفَيْهَا إِذِ الْمُخَاطَبُونَ فِيهَا كَرِهُوا الْقِتَالَ ، وَأَحَبُّوا السِّلْمَ ، فَكَانَ حَالُهُمْ مُقْتَضِيًا بَيَانَ أَنَّ الْقِتَالَ قَدْ يَكُونُ هُوَ الْخَيْرَ لِمَا يَحْصُلُ بَعْدَهُ مِنْ أَمْنٍ دَائِمٍ ، وَخَضْدِ شَوْكَةِ الْعَدُوِّ ، وَأَنَّ السِّلْمَ قَدْ يَكُونُ شَرًّا لِمَا يَحْصُلُ مَعَهَا مِنِ
[ ص: 288 ] اسْتِخْفَافِ الْأَعْدَاءِ بِهِمْ ، وَطَمَعِهِمْ فِيهِمْ ، وَذَهَابِ عِزِّهِمُ الْمُفْضِي إِلَى اسْتِعْبَادِهِمْ ، أَمَّا الْمَقَامُ فِي هَذِهِ السُّورَةِ فَهُوَ لِبَيَانِ حُكْمِ مَنْ حَدَثَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ زَوْجِهِ مَا كَرِهَهُ فِيهَا ، وَرَامَ فِرَاقَهَا ، وَلَيْسَ لَهُ مَعَ ذَلِكَ مَيْلٌ إِلَى غَيْرِهَا ، فَكَانَ حَالُهُ مُقْتَضِيًا بَيَانَ مَا فِي كَثِيرٍ مِنَ الْمَكْرُوهَاتِ مِنَ الْخَيْرَاتِ ، وَلَا يُنَاسِبُ أَنْ يُبَيِّنَ لَهُ أَنَّ فِي بَعْضِ الْأُمُورِ الْمَحْبُوبَةِ شُرُورًا لِكَوْنِهِ فَتْحًا لِبَابِ التَّعَلُّلِ لَهُمْ بِمَا يَأْخُذُونَ مِنَ الطَّرَفِ الَّذِي يَمِيلُ إِلَيْهِ هَوَاهُمْ . وَأُسْنِدَ جَعْلُ الْخَيْرِ فِي الْمَكْرُوهِ هُنَا لِلَّهِ بِقَوْلِهِ : وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا . الْمُقْتَضِي أَنَّهُ جَعْلٌ عَارِضٌ لِمَكْرُوهٍ خَاصٍّ ، وَفِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ قَالَ : وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ . لِأَنَّ تِلْكَ بَيَانٌ لِمَا يُقَارِنُ بَعْضَ الْحَقَائِقِ مِنَ الْخَفَاءِ فِي ذَاتِ الْحَقِيقَةِ ، لِيَكُونَ رَجَاءُ الْخَيْرِ مِنَ الْقِتَالِ مُطَّرِدًا فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ غَيْرَ حَاصِلٍ بِجَعْلٍ عَارِضٍ ، بِخِلَافِ هَذِهِ الْآيَةِ ، فَإِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=19582الصَّبْرَ عَلَى الزَّوْجَةِ الْمُؤْذِيَةِ أَوِ الْمَكْرُوهَةِ إِذَا كَانَ لِأَجْلِ امْتِثَالِ أَمْرِ اللَّهِ بِحُسْنِ مُعَاشَرَتِهِنَّ ، يَكُونُ جَعْلُ الْخَيْرِ فِي ذَلِكَ جَزَاءً مِنَ اللَّهِ عَلَى الِامْتِثَالِ .